انتقام ملك:
تأسست خلال تاريخ الانسانية الطويل عدد كبير من الممالك،وشكلت بأنماطها المختلفة(مملكة،امارة،سلطنة،الخ) اغلبية النظم السياسية.
ولكن منذ القرن الماضي، بدأت الممالك بالانهيار وعلى اثر ذلك تأسست الكثير من الجمهوريات وايضا بأنماط مختلفة(مثل ديمقراطية،ديكتاتورية...)،والسبب الرئيسي في ذلك يعود الى سوء ادارة الممالك لحكمها المتسم غالبا بالفساد والطغيان،ورغم ان تاريخ الانسانية الطويل يحمل في حقبه المختلفة صور مرعبة لانهيار الممالك،الا ان العبرة في ذلك شبه معدومة لدى كل الحكام في العالم،وخاصة الدول التي تحكمها نظم مستبدة!...فالحكم يحمل في ذاته لذة عجيبة وساحرة لكل من يصل اليه،وللسيطرة على شهوات الحكم المختلفة يحتاج الانسان الى مقدرة عظمى مع التوفيق الرباني في ذلك،وبدون ذلك لا يستطيع الانسان القدرة على الحكم بعدالة مطلقة،والغالب ان العدالة ايضا تخضع لظروف الحكم والحاكم...
وقد شهد التاريخ عدد من الحاكمين كانوا رمزا للعدالة والحكمة والمنطق ومن ابرزهم الامام علي بن ابي طالب(ع) وعمر بن عبد العزيز بالاضافة الى بعض الانبياء(ع) مثل النبي سليمان(ع)...
من خلال قراءة التاريخ بتأني وبهدوء يمكن الوصول الى نتائج باهرة في الحكم على الحكام وطريقة حكمهم...والغالب ان الذين لهم حظ كبير في العلم والمعرفة مع توفر الوازع الديني والاخلاقي،هم الناجحون في الغالب،وفي المقابل الذين يولدون واسرهم في الحكم في الغالب يكون فاسدين من خلال الترف المستحكم في حياتهم منذ الصغر...
للحفاظ على ماتبقى من الممالك على وجودها في الساحة السياسية،منحت الاغلبية منها الديمقراطية للشعب واصبحت تحكم اسميا مما ساعد على الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي حرمت منه عدد كبير من البلدان التي تحكمها انظمة جمهورية مستبدة،مما جعل البعض يحن الى عودة الملوكية ولكن بصيغة دستورية مقيدة هربا من سوء الاوضاع واليأس من تغييرها...
وفي المقابل بقيت بعض الممالك على سيرتها الاولية مستندة الى القوة والعنف في الحكم وخاصة في العالم الثالث،ومنها المغرب،وكانت فترات الحكم سيئة بلا شك وتخللها الكثير من القسوة والانتقام الذي يعتبر لامبرر له اطلاقا في ظل سيطرة الملوك على الحكم بصلاحيات كبيرة.
انتقام ملك المغرب:
منذ استقلال المغرب عن فرنسا عام 1956 حكم المغرب ثلاث ملوك هم من سلالة علوية الاصل ولكنهم ذابوا في المجتمع المغاربي واصبحوا يدينوا بمذهبه الرئيسي وهو المالكي.
تولى عام 1961 الملك الحسن الثاني(1929-1999) الحكم خلفا لوالده محمد الخامس واستمر في الحكم فترة طويلة حتى توفي في 23 تموز1999 وخلفه ولده محمد السادس.
كانت فترة الحكم الطويلة من اشد الفترات ظلامية في التاريخ العربي المعاصر،من حيث القمع الوحشي والذي طال الكثير من الابرياء،ورغم ان الحكم الجديد بدأ بتصحيح تلك المرحلة المظلمة ولو جزئيا من خلال تعويض الابرياء المظلومين،الا ان ذلك لايمحو من الذاكرة تلك المآسي والتي اصبحت وصمة عار على الملك المستبد واركان حكمه...
من المآسي التي حفلت بها تلك الفترة المظلمة،هي انتقام الملك الحسن الثاني من عائلة جلاده المعروف محمد اوفقير(1920-1972) الذي اعدم بعد فشل محاولته الانقلابية.
اعتقل عائلة اوفقيرة المكونة من امرأة وستة اطفال(صبيان واربعة فتيات) اكبرهم في التاسعة عشر واصغرهم في الثالثة!! بالاضافة الى خادمتين معهم،ودام اعتقال هؤلاء التسعة اكثر من تسعة عشر عاما!! في انتقام مخجل يرقى الى الوحشية المنحطة وفقدان مريع لصفات الفروسية العربية والرجولة والشهامة،والتي لو عملها اي انسان لقيل عنه مجرم على الاقل اما الملك الديكتاتور ولاسباب سياسية فقد ظل لقبه امير المؤمنين الى ان مات فتسابق الى حضور جنازته الزعماء!!
تلك هي الحياة وانحطاطها،تفضل ان يتحكم بها الاراذل ويذل بها الشرفاء،ولذلك نرى تاريخ البشرية مخزي ومشين ولايشرف اي انسان ان يفتخر به،واغلبية من رحلوا عن هذا العالم كان يمكن ان تنقذ حياتهم لو كانت العدالة والحرية موجودة،ولكن اغلبيتهم قضي عليهم من خلال القتل والارهاب والمرض والجهل والفقر والتخلف وغيرها من الاسباب التي يكون الانسان مسؤولا عنها بأختياره لا بأختيار الظروف،فقل لي بأي ذنب اعتقل امير المجرمين هذا،تلك العائلة وغيرها من عوائل المنسيين؟:الجواب بالتأكيد هي سيطرة الشهوات الشيطانية المتمثلة بالحكم والهوس فيه الى حد الجنون.
وللعلم بقيت المغرب خلال فترة حكمه الطويلة،بلدا متخلفا من جميع النواحي،وخاصة الاقتصادية منها،بالرغم من وقوعه في مكان استراتيجي هام،بالاضافة الى المساعدات الكبيرة التي تلقاها من الدول العربية والاوروبية ولكن بقي ضمن الدول المصنفة في خانة الاكثر فقرا وفسادا في العالم،وبقيت نسبة الجهل والتخلف والفقر في مستوياتها العليا،بينما تقدمت بلاد اخرى اقل منه في الموارد الطبيعية والمساحة واكثر في كثافة السكان،بالاضافة الى انفاق دفاعي كبير نتيجة لوجود تهديدات خارجية على وجودها،وفي نفس الوقت وصلت الى اعلى المراتب تقدما في العالم،واصبحت نموذجا بارزا في التنمية والعمل،ومثال على ذلك كوريا الجنوبية وتايوان،فقد وصل الفارق بين دخلي الفرد فيهما وبين دخل الفرد في المغرب اكثر من عشرة اضعاف !! فتأمل ذلك .
عرض كتاب: الغريبة
الكتاب يتألف من 246صفحة طبعة 2007 في المغرب ولبنان،في طبعة عادية،وهو من تأليف مليكة اوفقير الابنة الكبرى للجنرال المغدور محمد اوفقير،وهو احد كتبها التي اشتهرت بها وخاصة كتاب السجينة التي تروي سيرة عائلتها خلال فترة السجن الرهيب،وقد طبع عشرات الطبعات بمختلف اللغات العالمية،وكذلك اشتهرت من خلال وسائل الاعلام وخاصة القنوات التلفيزيونية الفضائية.
يتألف الكتاب من مقدمة وثمانية عشر فصلا صغيرا،وهو تكملة لسيرة حياتها بعد خروجها من الاقامة الجبرية والتي تبع خروجهم من السجن،وفيه تشعر بالغربة من المجتمع والحياة بأسرها نتيجة للعذاب الذي لاقته في السجون وكانت اهم شيء في مرارتها من الحياة هو احساسها بفقدان زهرة شبابها المتمثلة بحوالي عشرين عاما قضتها مع عائلتها دون ان يقترفوا ذنبا،وهذه المآساة هي نموذجا بارزا على سوء الحياة في العالم العربي من خلال الانتقام من عوائل المعارضين او المتهمين الابرياء ولكن حب الانتقام وحب زرع الخوف والرعب في قلوب ابناء الشعب هو الذي يدعو الطواغيت الى فعل ذلك العمل المشين الخالي من كل رحمة انسانية،وقد قتل وعذب في سجون ومعتقلات الانظمة العربية عدد كبير من الابرياء،والغالبية العظمى منهم لم يسمع منهم اي خبر او حتى معرفة اين دفنت اجسادهم الطاهرة البريئة. الاختلاف في امعان اذلال عوائل المعارضين وقتلهم يختلف من نظام الى اخر،ولكن المعروف ان النظام البعثي في العراق كان هو الاول بدون منازع في هذا النوع من الاعمال الوحشية،ثم انظمة اخرى مثل ليبيا وسوريا ومصر وتونس وغيرها من البلاد الاخرى.في الكتاب سيرة المؤلفة ومعاناتها وكذلك هجرتها الى فرنسا ثم الى امريكا ثم تطرقها الى شعورها بعد وفاة جلادها الحسن الثاني عام 1999.
تحدثت المؤلفة وبطريقة مقززة عن تفاصيل حياتها الجنسية ومغامراتها مع الاجانب من ايطاليا وفرنسا وهي في سن الثالثة والاربعين(وهو سن يعتبر الشخص عاقلا ومسؤولا وبعيد عن التصرفات الطائشة) اي بعد خروجها من السجن،وكذلك عن حياة المجون التي قضتها في تلك الفترة قبل ان تتزوج من فرنسي، دينه مختلف عنها وهي بالطبع مسلمة مما يدل على انحرافها الكلي وانعدام الوازع الديني والاخلاقي عندها،مما يجعل القارئ لكتابها وبعد رحلة طويلة من المشاركة الوجدانية معها في رحلة حياتها الطويلة والمليئة بالعذابات المستمرة،تجعله يقف مذهولا من حياتها بعد ذلك وينفر بقوة من تصرفاتها الغير مسؤولة والتي لاتعير للمجتمع او الدين او الاخلاق اي وزن،وهي تصرفات غبية في الواقع ولكن طبيعية من عائلة عاشت في كنف مسؤول في الدولة اشتهر بقسوته وانحرافه،وهي ظاهرة منتشرة في العالم العربي من خلال الاطلاع على تفاصيل حياة عوائل مسؤولي الدولة والتي يغلب على تصرفات مسؤوليها المشهور عنهم الفساد والقسوة والاجرام وهي نتيجة لسوء اعمالهم الناتجة عن البعد عن الدين او الضمير الاخلاقي المسؤول بالاضافة الى ضعف الوطنية وتغلب عناصر الانانية.
عموما تلك السيرة الفاضحة قللت من الانجذاب الى المؤلفة ومعاناتها،وبالتالي لا يشعر القارئ بالميل لتحليلها حول عدائها للمتدينين وطباعهم مادامت السيرة الشخصية بهذا الشكل المفضوح.
تحدثت ايضا عن تنظيم الحياة في فرنسا والرفاهية فيها وكذلك عن امريكا ولكن بشيء مختصر،وبالطبع ان البلدين اعلاه هما مسؤولان عن دعم جلادها الحسن الثاني الى اخر لحظة في حياته الاجرامية!! حتى بعد ان عرفوا بالمآسي التي فعلها بأسرتها او بشعبه المنكوب به.
عموما كتاب يحمل بين دفتيه سيرة معتقلة بعد الحرية وهو نموذج من ادب السجون الذي يكاد يكون منحصرا على العالم الثالث وبالاخص العالم العربي،وفي الحقيقة انه في مراحله الاولى ويحتاج الى تطوير من خلال دعم كل المعتقلين السابقين وتشجيعهم على كتابة هذا النوع الادبي الجديد،ورغم ان البعض يحمل قصصا مثيرة ومروعة ولكن لايحمل القدرة الادبية على الكتابة،وبالتالي يصبح ضروريا الاستعانة بالادباء او الصحفيين كما فعلت مليكة في كتبها،وبالتالي سوف يكون لنا كم هائل من المذكرات الشخصية التي تروي الفضائع في السجون العربية والتي تعرض لها الملايين من الضحايا والمعذبين.
وفي تقديري ان ترويج ذلك النوع من الادب او النصوص المكتوبة،هو وسيلة هامة لتعليم الصغار او عامة الناس مدى الوحشية في تلك الاعمال البربرية التي يتمترس ورائها اصحابها بحجج واهية زائفة لاقيمة لها في عالمنا الحاضر او في العالم الاخر،فهي احد اهم الوسائل لزرع الوعي واحترام حقوق الانسان لدى الاجيال المقبلة،بالاضافة الى اعادة الاعتبار الى هؤلاء المعذبين....
تأسست خلال تاريخ الانسانية الطويل عدد كبير من الممالك،وشكلت بأنماطها المختلفة(مملكة،امارة،سلطنة،الخ) اغلبية النظم السياسية.
ولكن منذ القرن الماضي، بدأت الممالك بالانهيار وعلى اثر ذلك تأسست الكثير من الجمهوريات وايضا بأنماط مختلفة(مثل ديمقراطية،ديكتاتورية...)،والسبب الرئيسي في ذلك يعود الى سوء ادارة الممالك لحكمها المتسم غالبا بالفساد والطغيان،ورغم ان تاريخ الانسانية الطويل يحمل في حقبه المختلفة صور مرعبة لانهيار الممالك،الا ان العبرة في ذلك شبه معدومة لدى كل الحكام في العالم،وخاصة الدول التي تحكمها نظم مستبدة!...فالحكم يحمل في ذاته لذة عجيبة وساحرة لكل من يصل اليه،وللسيطرة على شهوات الحكم المختلفة يحتاج الانسان الى مقدرة عظمى مع التوفيق الرباني في ذلك،وبدون ذلك لا يستطيع الانسان القدرة على الحكم بعدالة مطلقة،والغالب ان العدالة ايضا تخضع لظروف الحكم والحاكم...
وقد شهد التاريخ عدد من الحاكمين كانوا رمزا للعدالة والحكمة والمنطق ومن ابرزهم الامام علي بن ابي طالب(ع) وعمر بن عبد العزيز بالاضافة الى بعض الانبياء(ع) مثل النبي سليمان(ع)...
من خلال قراءة التاريخ بتأني وبهدوء يمكن الوصول الى نتائج باهرة في الحكم على الحكام وطريقة حكمهم...والغالب ان الذين لهم حظ كبير في العلم والمعرفة مع توفر الوازع الديني والاخلاقي،هم الناجحون في الغالب،وفي المقابل الذين يولدون واسرهم في الحكم في الغالب يكون فاسدين من خلال الترف المستحكم في حياتهم منذ الصغر...
للحفاظ على ماتبقى من الممالك على وجودها في الساحة السياسية،منحت الاغلبية منها الديمقراطية للشعب واصبحت تحكم اسميا مما ساعد على الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي حرمت منه عدد كبير من البلدان التي تحكمها انظمة جمهورية مستبدة،مما جعل البعض يحن الى عودة الملوكية ولكن بصيغة دستورية مقيدة هربا من سوء الاوضاع واليأس من تغييرها...
وفي المقابل بقيت بعض الممالك على سيرتها الاولية مستندة الى القوة والعنف في الحكم وخاصة في العالم الثالث،ومنها المغرب،وكانت فترات الحكم سيئة بلا شك وتخللها الكثير من القسوة والانتقام الذي يعتبر لامبرر له اطلاقا في ظل سيطرة الملوك على الحكم بصلاحيات كبيرة.
انتقام ملك المغرب:
منذ استقلال المغرب عن فرنسا عام 1956 حكم المغرب ثلاث ملوك هم من سلالة علوية الاصل ولكنهم ذابوا في المجتمع المغاربي واصبحوا يدينوا بمذهبه الرئيسي وهو المالكي.
تولى عام 1961 الملك الحسن الثاني(1929-1999) الحكم خلفا لوالده محمد الخامس واستمر في الحكم فترة طويلة حتى توفي في 23 تموز1999 وخلفه ولده محمد السادس.
كانت فترة الحكم الطويلة من اشد الفترات ظلامية في التاريخ العربي المعاصر،من حيث القمع الوحشي والذي طال الكثير من الابرياء،ورغم ان الحكم الجديد بدأ بتصحيح تلك المرحلة المظلمة ولو جزئيا من خلال تعويض الابرياء المظلومين،الا ان ذلك لايمحو من الذاكرة تلك المآسي والتي اصبحت وصمة عار على الملك المستبد واركان حكمه...
من المآسي التي حفلت بها تلك الفترة المظلمة،هي انتقام الملك الحسن الثاني من عائلة جلاده المعروف محمد اوفقير(1920-1972) الذي اعدم بعد فشل محاولته الانقلابية.
اعتقل عائلة اوفقيرة المكونة من امرأة وستة اطفال(صبيان واربعة فتيات) اكبرهم في التاسعة عشر واصغرهم في الثالثة!! بالاضافة الى خادمتين معهم،ودام اعتقال هؤلاء التسعة اكثر من تسعة عشر عاما!! في انتقام مخجل يرقى الى الوحشية المنحطة وفقدان مريع لصفات الفروسية العربية والرجولة والشهامة،والتي لو عملها اي انسان لقيل عنه مجرم على الاقل اما الملك الديكتاتور ولاسباب سياسية فقد ظل لقبه امير المؤمنين الى ان مات فتسابق الى حضور جنازته الزعماء!!
تلك هي الحياة وانحطاطها،تفضل ان يتحكم بها الاراذل ويذل بها الشرفاء،ولذلك نرى تاريخ البشرية مخزي ومشين ولايشرف اي انسان ان يفتخر به،واغلبية من رحلوا عن هذا العالم كان يمكن ان تنقذ حياتهم لو كانت العدالة والحرية موجودة،ولكن اغلبيتهم قضي عليهم من خلال القتل والارهاب والمرض والجهل والفقر والتخلف وغيرها من الاسباب التي يكون الانسان مسؤولا عنها بأختياره لا بأختيار الظروف،فقل لي بأي ذنب اعتقل امير المجرمين هذا،تلك العائلة وغيرها من عوائل المنسيين؟:الجواب بالتأكيد هي سيطرة الشهوات الشيطانية المتمثلة بالحكم والهوس فيه الى حد الجنون.
وللعلم بقيت المغرب خلال فترة حكمه الطويلة،بلدا متخلفا من جميع النواحي،وخاصة الاقتصادية منها،بالرغم من وقوعه في مكان استراتيجي هام،بالاضافة الى المساعدات الكبيرة التي تلقاها من الدول العربية والاوروبية ولكن بقي ضمن الدول المصنفة في خانة الاكثر فقرا وفسادا في العالم،وبقيت نسبة الجهل والتخلف والفقر في مستوياتها العليا،بينما تقدمت بلاد اخرى اقل منه في الموارد الطبيعية والمساحة واكثر في كثافة السكان،بالاضافة الى انفاق دفاعي كبير نتيجة لوجود تهديدات خارجية على وجودها،وفي نفس الوقت وصلت الى اعلى المراتب تقدما في العالم،واصبحت نموذجا بارزا في التنمية والعمل،ومثال على ذلك كوريا الجنوبية وتايوان،فقد وصل الفارق بين دخلي الفرد فيهما وبين دخل الفرد في المغرب اكثر من عشرة اضعاف !! فتأمل ذلك .
عرض كتاب: الغريبة
الكتاب يتألف من 246صفحة طبعة 2007 في المغرب ولبنان،في طبعة عادية،وهو من تأليف مليكة اوفقير الابنة الكبرى للجنرال المغدور محمد اوفقير،وهو احد كتبها التي اشتهرت بها وخاصة كتاب السجينة التي تروي سيرة عائلتها خلال فترة السجن الرهيب،وقد طبع عشرات الطبعات بمختلف اللغات العالمية،وكذلك اشتهرت من خلال وسائل الاعلام وخاصة القنوات التلفيزيونية الفضائية.
يتألف الكتاب من مقدمة وثمانية عشر فصلا صغيرا،وهو تكملة لسيرة حياتها بعد خروجها من الاقامة الجبرية والتي تبع خروجهم من السجن،وفيه تشعر بالغربة من المجتمع والحياة بأسرها نتيجة للعذاب الذي لاقته في السجون وكانت اهم شيء في مرارتها من الحياة هو احساسها بفقدان زهرة شبابها المتمثلة بحوالي عشرين عاما قضتها مع عائلتها دون ان يقترفوا ذنبا،وهذه المآساة هي نموذجا بارزا على سوء الحياة في العالم العربي من خلال الانتقام من عوائل المعارضين او المتهمين الابرياء ولكن حب الانتقام وحب زرع الخوف والرعب في قلوب ابناء الشعب هو الذي يدعو الطواغيت الى فعل ذلك العمل المشين الخالي من كل رحمة انسانية،وقد قتل وعذب في سجون ومعتقلات الانظمة العربية عدد كبير من الابرياء،والغالبية العظمى منهم لم يسمع منهم اي خبر او حتى معرفة اين دفنت اجسادهم الطاهرة البريئة. الاختلاف في امعان اذلال عوائل المعارضين وقتلهم يختلف من نظام الى اخر،ولكن المعروف ان النظام البعثي في العراق كان هو الاول بدون منازع في هذا النوع من الاعمال الوحشية،ثم انظمة اخرى مثل ليبيا وسوريا ومصر وتونس وغيرها من البلاد الاخرى.في الكتاب سيرة المؤلفة ومعاناتها وكذلك هجرتها الى فرنسا ثم الى امريكا ثم تطرقها الى شعورها بعد وفاة جلادها الحسن الثاني عام 1999.
تحدثت المؤلفة وبطريقة مقززة عن تفاصيل حياتها الجنسية ومغامراتها مع الاجانب من ايطاليا وفرنسا وهي في سن الثالثة والاربعين(وهو سن يعتبر الشخص عاقلا ومسؤولا وبعيد عن التصرفات الطائشة) اي بعد خروجها من السجن،وكذلك عن حياة المجون التي قضتها في تلك الفترة قبل ان تتزوج من فرنسي، دينه مختلف عنها وهي بالطبع مسلمة مما يدل على انحرافها الكلي وانعدام الوازع الديني والاخلاقي عندها،مما يجعل القارئ لكتابها وبعد رحلة طويلة من المشاركة الوجدانية معها في رحلة حياتها الطويلة والمليئة بالعذابات المستمرة،تجعله يقف مذهولا من حياتها بعد ذلك وينفر بقوة من تصرفاتها الغير مسؤولة والتي لاتعير للمجتمع او الدين او الاخلاق اي وزن،وهي تصرفات غبية في الواقع ولكن طبيعية من عائلة عاشت في كنف مسؤول في الدولة اشتهر بقسوته وانحرافه،وهي ظاهرة منتشرة في العالم العربي من خلال الاطلاع على تفاصيل حياة عوائل مسؤولي الدولة والتي يغلب على تصرفات مسؤوليها المشهور عنهم الفساد والقسوة والاجرام وهي نتيجة لسوء اعمالهم الناتجة عن البعد عن الدين او الضمير الاخلاقي المسؤول بالاضافة الى ضعف الوطنية وتغلب عناصر الانانية.
عموما تلك السيرة الفاضحة قللت من الانجذاب الى المؤلفة ومعاناتها،وبالتالي لا يشعر القارئ بالميل لتحليلها حول عدائها للمتدينين وطباعهم مادامت السيرة الشخصية بهذا الشكل المفضوح.
تحدثت ايضا عن تنظيم الحياة في فرنسا والرفاهية فيها وكذلك عن امريكا ولكن بشيء مختصر،وبالطبع ان البلدين اعلاه هما مسؤولان عن دعم جلادها الحسن الثاني الى اخر لحظة في حياته الاجرامية!! حتى بعد ان عرفوا بالمآسي التي فعلها بأسرتها او بشعبه المنكوب به.
عموما كتاب يحمل بين دفتيه سيرة معتقلة بعد الحرية وهو نموذج من ادب السجون الذي يكاد يكون منحصرا على العالم الثالث وبالاخص العالم العربي،وفي الحقيقة انه في مراحله الاولى ويحتاج الى تطوير من خلال دعم كل المعتقلين السابقين وتشجيعهم على كتابة هذا النوع الادبي الجديد،ورغم ان البعض يحمل قصصا مثيرة ومروعة ولكن لايحمل القدرة الادبية على الكتابة،وبالتالي يصبح ضروريا الاستعانة بالادباء او الصحفيين كما فعلت مليكة في كتبها،وبالتالي سوف يكون لنا كم هائل من المذكرات الشخصية التي تروي الفضائع في السجون العربية والتي تعرض لها الملايين من الضحايا والمعذبين.
وفي تقديري ان ترويج ذلك النوع من الادب او النصوص المكتوبة،هو وسيلة هامة لتعليم الصغار او عامة الناس مدى الوحشية في تلك الاعمال البربرية التي يتمترس ورائها اصحابها بحجج واهية زائفة لاقيمة لها في عالمنا الحاضر او في العالم الاخر،فهي احد اهم الوسائل لزرع الوعي واحترام حقوق الانسان لدى الاجيال المقبلة،بالاضافة الى اعادة الاعتبار الى هؤلاء المعذبين....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق