الثورة الحسينية:تراث لاينضب...وتجدد مستمر
دائما الانسان يتذكر ولشتى الاسباب،الاحداث المهمة في التاريخ،ومن اهم تلك الاحداث هي الثورات،لما لها من اهمية خاصة كونها تعبيرا عن رفض واقع مفروض في فترة زمنية معينة وعندما تصبح الظروف قاهرة امام الناس في تغيير الواقع بصورة سلمية،يلجأ من لايستطيع البقاء طويلا في تلك الظروف الى الثورة بشتى صورها المعروفة كملجأ اخير للتغيير المحتوم.
الثورات التي قامت في العالم خلال تاريخ الانسانية الطويل،هو عدد كبير بلا شك،ولكن الثورات الكبرى التي أثرت في التاريخ خلال فترة زمنية طويلة هي محدودة العدد بلا شك.
التأثير يختلف من حقبة زمنية الى اخرى،ونوعية التأثير ايضا مختلفة،ولكن الاكثر تأثيرا هي التي تكون من ناحية الفكر والمبادئ المتعلقة فيه والتي لاتتأثر بالزمن الا قليلا،اما بقية التأثيرات فهي تكون خلال فترة زمنية محدودة وقد تصل الى عقود او قرون ولكن قد تبقى ضعيفة التأثير بعد ذلك.
الثورات تختلف بأختلاف حجمها،فمنها يكون صغير الحجم او في رقعة جغرافية معينة،والبعض الاخر يكون كبير الحجم ويتجاوز الحدود الدولية.
غالبية الثورات في التاريخ،هي فاشلة او غير محظوظة من ناحية النجاح في تسلم السلطة او في تغيير الواقع الملموس،ولذلك تختزن الذاكرة العالمية عدد كبير من المحاولات الثورية لتغيير الواقع السيء الذي تعيشه الشعوب.
بعض الثورات في حالة نجاحها تتحول الى ثورة تأكل ابنائها من خلال الصراعات الدموية بين قادة الثورة والتي تنتهي بسيطرة الجناح الاكثر قوة وقسوة ومكرا،مما يجعل الحكم يتحول الى ديكتاتورية جديدة بلباس ثوري!!.
الثورات الكبرى التي حققت اكبر الانجازات في التاريخ حتى لو كانت رحلتها غير سلمية،هي قليلة جدا...وخلال العصر الحديث تم الاتفاق على وضع اربعة ثورات كبرى في التاريخ المعاصر كان لها حمل اسم الثورة بجدارة من خلال طرحها شعارات مؤثرة في الشارع واصبحت تأثيراتها تتجاوز الحدود والاقوام،وقد حاول البعض من المفكرين اضافة ثورات اخرى لها تأثير مشابه مثل الثورة الانكليزية في القرن السابع عشر،ولكن تلك المحاولات بائت بالفشل الذريع...والثورات الاربعة الكبرى في التاريخ الحديث هي:الثورة الامريكية 1776،والثورة الفرنسية1789،والثورة الروسية1917،والثورة الايرانية1979...ومازالت افكار واصداء تلك الثورات مستمرة برغم تاريخها الطويل...
اما في التاريخ البشري الطويل فيمكن اضافة بعض الثورات والتي اثرت بقوة في التاريخ الحديث...
لكن تبقى الثورة الكبرى الاولى في العالم،والتي اثرت ومازال تاثيرها باقيا،وسوف يبقى ايضا،هي الثورة الحسينية والتي قادها الامام الحسين(ع) قبل حوالي 1400سنة...
هي الثورة الوحيدة التي يفتخر البشر بالانتماء اليها قلبا وقالبا...ومازالت الثورة الوحيدة في التاريخ التي يعيد مئات الملايين من البشر احياء ذكراها كل عام...وهي الثورة الوحيدة التي مازال اعدائها يحاربونها بكل دموية وقسوة وبشتى الحجج....
كذلك هي الثورة الوحيدة التي جمعت البشر بمختلف اتجاهاتهم حولها وفي نفس الوقت جمعت اعدائها ومن مختلف الاتجاهات والاهواء والنحل.
كما انها الثورة الكبرى التي تحمل تراثا فكريا وجهاديا هو من الضخامة بحيث لاتحمله اي ثورة اخرى...
كما انها الثورة الوحيدة التي تكون قيادتها وانصارها بمثل قدسية وروحانية الامام الحسين(ع) واتباعه...
ليست كل الثورات التي لايحالفها الحظ في تحقيق اهدافها الانية او ينتصر عليها خصومها،هي ثورات فاشلة،بل الفشل يكون عندما تنتهي الثورة ويختفي معها كل اثر...اما بالنسبة للثورة الحسينية فهي انتصرت بالدم والشهادة والمظلومية على الظلم والطغيان والفساد،ولو بعد حين...
لا احد يجاهر بالوقوف الى جانب قتلة الامام الحسين(ع) الان الا من جاهر بنصبه العداء الى آل البيت(ع)،وبالرغم ان هنالك الكثير من المتسترين بالعداء لمحبي الامام الحسين(ع)ويدعون حبهم الى آل البيت(ع) ولكن الحقيقة هو نصب العداء المخفي لهم بل هو مكشوف لمن يريد ان يختبرهم من خلال الحوار معهم حول الكثير من الامور المتفق عليها مثل الثورة الحسينية،فنجدهم حينها يعطون المبررات السخيفة التي لاتستند الى اي عقل او منطق او دين لقتلة الثورة....
تراث فكري ضخم:
رغم مرور اربعة عشر قرنا على الثورة الحسينية،الا انها تتجدد يوما بعد يوم من خلال الاكتشافات الروحانية والعقلية لها وفق المنظور الحديث،بحيث اصبحت الافكار الثورية للامام الحسين(ع) ونهضته اكثر فهما لدى العامة من الناس في الوقت الحاضر منها قبل مئات السنين في ظل العولمة الجديدة وانتشار الافكار الاساسية لحقوق الانسان في الحرية والعدالة والمساواة.
ولذلك نجد استمرار صدور الكثير من الدراسات والبحوث التي تنظر الى تلك الثورة العظيمة من مختلف الاتجاهات،بل ان اختلاف الاراء الناتج من اختلاف الطبائع البشرية هو الذي ادى الى اثراء الدراسات والفهم العام للثورة،بحيث لايستطيع اي فرد ان يدعي احتكاره للثورة او كونه الممثل الرئيسي لها في الوقت الحاضر.
وبأعتقادي ان الدراسات والبحوث والمقالات والكتب والنشرات سوف تستمر حول تلك الثورة العملاقة ولن يقف حاجزالزمن والبعد الجغرافي،عائقا امام فهم الثورة والتي اثارت اعجاب مختلف الاجناس البشرية والتي تعتنق مختلف الافكار والتي يصل بعضها الى التضارب مع السلوك العام المستند بقوة الى مبادئ الاسلام العظيم الصافية النقية...ولكن مادام الصراع بين الخير والشر مستمرا في هذا العالم فأن الطموح الانساني النبيل نحو الحرية والعدالة،سوف يجعل النفوس تقترب اكثر فأكثر نحو كل من قاوم الظلم والطغيان والفساد وكل الافكار الشريرة المنحرفة،وعلى رأس هؤلاء المقاومين الامام الحسين(ع)وآل بيته وصحبه الابرار...
لقد حطمت الثورة الكثير من القدسيات الزائفة والتي دخلت الاسلام من خلال متسلقي السلطة وأذنابهم ،بل كشفت ذلك للمخدوعين من الناس وخاصة البسطاء وخاصة في تلك العهود المظلمة التي كان الطواغيت يسيرون الناس وفق رغباتهم وشهواتهم ولذلك قيل الناس على دين ملوكهم!...
مازالت التشوهات التي عملتها السلطة الاموية الغاشمة ومن تبعها من ممالك مستبدة،سارية المفعول لحد الان ولذلك تتجدد الحاجة للثورة على الظلم والطغيان في كل مكان وزمان والذي بدوره يؤدي الى البحث عن طريق مستقيم للخلاص من النفق المظلم،وهذا الطريق يتمثل بكل ثائر مخلص يبذل كل مافي وسعه بما فيها حياته لتخليص الانسانية من شرور ابنائها الفجرة وقساة القلوب،والثوار الاحرار المخلصين كثيرون وعلى رأسهم الامام الحسين(ع)وصحبه.
بعض الدروس المستنبطة:
من خلال دراسة الثورات الكبرى في العالم،يمكن للمرء ان يستنبط الكثير من الدروس والعبر،ومن ضمنها الثورة الحسينية الكبرى،ويمكن ملاحظة ان الدروس ليست محددة بفكر واحد او برقم واحد،الا ان التأمل والدراسة بعمق وموضوعية يمكن ان يجعل كل فرد منا قادرا على الاستنباط لاخذ الدروس والعبر ...وهنا فلتات قليلة من التأمل الناتج من رؤية فردية بسيطة لثورة عملاقة:
1-اثبتت الثورة بجدارة ان حجم الثورة لايقاس بالكم ولكن بالكيف،بمعنى ان الثورات الكبرى في التاريخ لايقاس حجمها بكبر حجم المشاركين فيها،نعم ان كبر المشاركة في الثورة يعتبر اساسيا لنجاحها الاني والمستقبلي،مثل الثورات الكبرى الاربعة المعاصرة والتي سبقت الاشارة اليها،الا انه يمكن ملاحظة ان العديد من الثورات الشعبية والتي كانت المشاركة فيها كثيفة،قد فشلت سواء في تسلم السلطة او في ترك اثر فكري وثقافي عريض،مثل الثورات العديدة في افريقيا وآسيا بل حتى في العالم العربي وتاريخه المعاصر،وليراجع الموسوعات والكتب التاريخية من يريد الاطلاع والاستفادة من الاشارة لهذه الفكرة،بينما اذا اطلعنا على الثورة الحسينية الخالدة فهي كانت صغيرة الحجم من حيث عدد المشاركين فيها(دون المائة)ولكن كانت جيوش السلطة الغاشمة قد تجاوزت العشرات من الالاف!!،وفي النهاية رغم عدم نجاح الثورة الاني،الا انها نجحت في زرع بذور الثورة والاحتجاج في نفوس الجميع بالاضافة الى نشر الكثير من المبادئ والقيم السامية المستندة الى الاسلام وتعاليمه السمحاء،مما ادى في النهاية الى نجاحها على اعدائها وبعد ان قتل جميع المشتركين فيها بفترة زمنية قصيرة!.
لقد حمل لواء الثورة وافكارها عدد كبير من الناس وخلال فترة القرون الماضية الطويلة،وهم مستعدون لبذل كل طاقاتهم في سبيل اعلاء راية الثورة الحسينية المستندة وبدون ادنى شك الى مبادئ الشريعة السمحاء،ولانها تمثل مبادىء طبيعية ثابتة للجنس البشري.
2-اثبتت الثورة بجدارة تدخل العوامل الغيبية في انجاحها وافشال كل المخططات الشريرة لاخماد جذوة شعلتها،فالمعروف ان المعسكر المعادي للامام الحسين(ع) يمتلك من القوة والعدة الكافية لابادة رجالات الامام الحسين(ع) واخماد اي ذكر لهم،ولكن العناية الربانية كانت هي الغالبة بلا شك بحيث بقي بعض من شهد الواقعة والتي نقل تفاصيلها لبقية الناس،ولذلك كان مجيء اسر اهل البيت (ع) وانصارهم من الوسائل الهامة التي نقلت تفاصيل المعركة الى الرأي العام الذي كان منشغلا بأمور مختلفة ناهيك عن كبر حجم الدولة وانعدام وسائل الاتصال الحديثة التي تجعلهم يعرفون بتلك التفاصيل،وهذا يعطينا فكرة مهمة عن ضرورة وصول الاعلام الى الثورات واهمية العامل الاعلامي في نشر الحقائق للرأي العام بغية تحريضه وتحريكه ضد النظام المستبد.
ان القدسية المعروفة عن آل البيت(ع) كانت كافية لانزال الانتقام الالهي ولو بعد حين من القتلة الذين تجردوا من كل انسانية او اخلاقية في حربهم القاسية من اجل سلطة زائلة يمثلها انسان وضيع لايفقه شيئا استولى ابوه بالغدر والخيانة على مقدرات دولة دينية كبرى،وأدارها بأسلوب منحط جعل الجميع ينبذونه مما ادى الى نهاية سريعة في انتقام آلهي لايمكن نكرانه،وكذلك بالنسبة لقادة جيوش السلطة وبعض من برزوا في القتال من المقاتلين العاديين،وقد امتلئت كتب التاريخ بالحديث عن تفاصيل الانتقام الالهي الذي اعطى درسا واضحا للبقية بأن الحضور الغيبي هو بارز في الاحداث الجسام،وان دوره في تسير تلك الاحداث لايقل اهمية عن غيره بل يتفوق عليها خاصة انها صادرة من اله عظيم خالق الكون ومخلوقاته ومنهم الانسان الصغير الحجم والوضيع بأعماله الخسيسة!.
3- كسرت الثورة حاجز القدسية الزائفة بالنسبة للحكام والتي اخذت تثبت جذورها المستندة على تفسيرات ضيقة ولغرض المصلحة الشخصية للادلة الشرعية تدعو الى تقديس ولاة الامر حتى لو كانوا من الفاسقين او الذين يقفزون على السلطة في غفلة من الزمن وبصورة غير شرعية.
اختيار الحكام يخضع لضوابط شرعية وفق الشريعة الاسلامية،ورغم كون الاختيار كان محدودا لبضعة اشخاص من الصحابة في زمن الخليفة الثاني،الا انه يعتبر بحد ذاته مرحلة متقدمة من الاختيار الديمقراطي المحدود،ولكن الاختيار للخليفة الثالث كان تم بموافقة عضو وهو عبد الرحمن بن عوف وفق شرط غريب لابعاد الامام علي(ع)الذي رفضه،بينما قبله عثمان بن عفان،الذي اصبح على ضوئه خليفة ولكن سرعان ما اخل بهذا الشرط والذي هو وجوب السير بسيرة الخليفتين الاول والثاني،مما جعل ابن عوف يندم على اختياره ويعارضه بعد ذلك.
كانت خلافة الخليفة الثالث وبالا على الامة الاسلامية التي تحكم بها بنو امية نتيجة ضعف الخليفة وتفضيله اسرته على من سواها من الاسر،وقد كان الطغيان والفساد سببا رئيسيا للثورة،ورغم طول فترة خلافة الثالث(12عاما)الا انه لم يستمع الى المعارضة والنصائح بل تمادى في السير الخاطئ والذي يكون مقبولا عن البعض كونه من الصحابة!،ولكن لو سار بنفس السيرة اي شخص الان ومن ضمنهم حكام العرب المعاصرون لوصموا بشتى الاوصاف السيئة!وهذه من المتناقضات الكبيرة في الشخصية المسلمة والتي تصف اليهود بالفساد كونهم يعاقبون الفقير المسكين المسيء ولايعاقبون الشريف المتمكن ولكن مسيء!..وفي المقابل جرت نفس السيرة الخاطئة ولكن باسلوب يدعو الى القدسية الزائفة للحاكم،وكانت النتيجة ثورة من مختلف الامصار وعلى رأسها ثلاث هي البصرة والكوفة ومصر،هاجموا الخليفة لعدم قبوله بشروطهم لترك الخلافة بعد ان نكث وعوده عدة مرات!..فكانت نهايته مأساوية ورغم بلوغه عمر طويل(79عاما) الا انه رفض ترك الخلافة! مفضلا الموت عليها! في طريقة مثيرة للغاية كون الخليفة الاول دعى الى تقويمه او خلعه اذا سار بغير سيرة الرسول الاعظم(ص)ولكن الثالث سار بعكس السيرة واضاف برفض الخلع كونه قميص البسه الله سبحانه له!!انظر الى مقدار الانحراف في الحكم وتفسير الشريعة وخلال فترة قصيرة.
الثورة على الخليفة الثالث هي شرعية وعقلانية بمقاييس تلك الايام وايامنا ايضا،لانها تدعو الحاكم ان يكون عادلا وامينا،وبخلافه يتم طرده او ازالته،واذا لم يقبل فهو الذي يتحمل ذنب قتله!..فالناس تريد العيش بحرية وامان من خلال ولاة عادلون اما ان يأتي شخص ويحكم بخلاف ذلك بحجة صحابي فتلك مهزلة للعقل مازال الكثير يخضع لها ويتمسك بها بكل غباء وتجهيل للعقل والمنطق!.
عموما انتهت الثورة بقتله ثم بأختيار الناس للامام علي(ع) بصورة ديمقراطية قل نظيرها لانه لم يرغم احدا على مبايعته بل العكس الناس ارغمته!،ولكن نتائج الحكم الفاسد السابق قد ظهرت للعيان من خلال التمردات المختلفة وخاصة التمرد الاكبر في بلاد الشام والذي كسر قاعدة طاعة ولاية الامر(انظر للبعض في عدم تجويز الخروج على الولاة ثم يبررون لمعاوية خروجه!!).الجميل والمضحك عندما اسمع رأي يقول ان معاوية سياسي محنك يفيد الامة ويعرف كيف هو يروض الناس وفي المقابل يرفضون السياسيين الحاليين والذين يحكمون بنفس الطريقة ويتهمونهم بالخروج عن الاسلام وان السياسة نجاسة!.
مجرد خروج هؤلاء العصاة على خليفة يمثل قمة العدالة والانسانية والنزاهة والديمقراطية مثل الامام علي(ع) هي جريمة لاتغتفر لاي كان وخاصة لهؤلاء العصاة المارقين الذي شوهوا الاسلام وتاريخه لغرض التحكم بمصائر الامة الاسلامية الكبيرة وفق الشهوات والاهواء.
لم يجعل الامام علي(ع) حاجزا بينه وبين الناس في مختلف القضايا او التعامل اليومي،ولكن بعد استشهاده عام 40ه\661م واستيلاء معاوية بالغدر والخيانة على الحكم،انقلب الحكم الى ملكية استبدادية تسير بسيرة تخالف الاسلام نصا وروحا،واصبح الحاجز كبيرا بين السلطة الغاشمة التي مارست الظلم والطغيان بأبشع صوره ثم يأتي الممسوخون في كل زمان ومكان يحرموا الخروج على الحاكم مهما كان ظلمه بل بعضهم يتهم الامام الحسين (ع)وبصراحة ممزوجة بوقاحة لاحدود لها انه خارج على امام زمانه يزيد،وخاصة امام السلفية الذي كان مذموما في عصره ومقدسا في العصر الحاضر(ابن تيمية) الذي يمنح الجنة والنار لمن يشاء!!.
اختيار يزيد بن معاوية للخلافة لم يتم بصورة شرعية ولا عقلية وبالتالي خلافته مرفوضة الا عند الممسوخين المنحرفين امثاله!،ولذلك كانت الثورة الحسينية حاسمة في تحطيم ستار سميك من الزيف وضعه معاوية خلال فترة طويلة من حكمه بمساعدة الوضاعون للاحاديث والتفسيرات الخاطئة...
بعد الثورة الحسينية العملاقة،لم يصبح هنالك اي قدسية للحكام رغم الجهد المادي والمعنوي المبذول لوضع قدسية خاصة لهم وفرضها على الناس من خلال جيش عرمرم من وعاظ السلاطين واتباعهم خلال فترة اربعة عشر عاما من الحكم المتصل من خلال مئات الدويلات المنتشرة في العالم الاسلامي...وكانت النتيجة المحزنة لتسلق اراذل الامة مانراه الان من وضع مخزي لامة وجب ان تكون الاولى في كل شيء،فكانت النتيجة هي الانحطاط والعجز والبقاء في خارج التسلسل العام للامم !!.
4- اثبتت الثورة وبما لايدع مجال للشك ابدا،ان القلة ممكن ان تحقق المعجزات سواء اذا فشلت الثورة او نجحت،فبالنهاية تكون نتيجة الصبر والصمود على المبدأ الذي يشترط فيه ان يكون لغرض انساني نبيل،هو النجاح بلا شك.
لقد كان العدد المحدود من المشتركين في الثورة الحسينية غيرعائقا امام رجال الثورة او محبيها مادام الفكر الذي يحمله الثوار هو لغرض انقاذ الامة من النكسات المستمرة،كذلك ان الايمان بالله والاتكال عليه هو الاساس الاول في العمل الصدق لتغيير الاوضاع السيئة.
5-اسست الثورة لنظام فكري سياسي جديد يقوم على فرض الامة لارادتها وحريتها في اختيار حكامها،وقد كانت الفترة الطويلة من الزمن التي تلت تلك الثورة والتي تميزت بالمآسي المستمرة وعدم تطبيق دعوة الامام الحسين(ع)في الحرية والعدالة،كافية لتغيير الواقع من خلال مراجعة التراث الفكري الضخم الذي ابدعه الفقهاء والمثقفون من خلال استنباط اروع الافكار والنظريات التي تجعل الحكم في افضل صورة يمكن ان يخدم البشرية في تقدمها نحو السمو.
ولذلك هنالك ضرورة قصوى لتطبيق مبادئ الثورة الحسينية،بل يكفي اربعة عشر قرنا من السير في الاتجاه المعاكس،ولابد للامة ان تجرب ولكن بدون عوائق لكل ما جاء في الثورة الحسينية،حتى نرى بأنفسنا كيف تكون الحرية والعدالة والمساواة والالتزام بالشريعة الغراء ونتائجها الباهرة على كافة الاصعدة.
وفي الختام ارى ان تلك الثورة العملاقة مازالت تنتج الكثير من الابداعات الفكرية وفي شتى المجالات،وانتاجها الضخم لابد ان يكون في موضع التنفيذ،وتبقى الحسرة والالم على تلك الجريمة الكبرى المروعة في قتل الامام الحسين(ع)واهل بيته وصحبه ماثلة امامنا جميعا والتي هي رمز للفداء واسطورة خالدة للوفاء،يعجز الادب بمختلف الوانه عن التعبير عنها،بل كل ما ابدع حولها لايمثل سوى جزء بسيط من نتائج تلك الثورة العظيمة،وتبقى الظروف المتغيرة في العالم احدى اهم الوسائل لفهم اكبر او اظهار المزيد من الابداع...
دائما الانسان يتذكر ولشتى الاسباب،الاحداث المهمة في التاريخ،ومن اهم تلك الاحداث هي الثورات،لما لها من اهمية خاصة كونها تعبيرا عن رفض واقع مفروض في فترة زمنية معينة وعندما تصبح الظروف قاهرة امام الناس في تغيير الواقع بصورة سلمية،يلجأ من لايستطيع البقاء طويلا في تلك الظروف الى الثورة بشتى صورها المعروفة كملجأ اخير للتغيير المحتوم.
الثورات التي قامت في العالم خلال تاريخ الانسانية الطويل،هو عدد كبير بلا شك،ولكن الثورات الكبرى التي أثرت في التاريخ خلال فترة زمنية طويلة هي محدودة العدد بلا شك.
التأثير يختلف من حقبة زمنية الى اخرى،ونوعية التأثير ايضا مختلفة،ولكن الاكثر تأثيرا هي التي تكون من ناحية الفكر والمبادئ المتعلقة فيه والتي لاتتأثر بالزمن الا قليلا،اما بقية التأثيرات فهي تكون خلال فترة زمنية محدودة وقد تصل الى عقود او قرون ولكن قد تبقى ضعيفة التأثير بعد ذلك.
الثورات تختلف بأختلاف حجمها،فمنها يكون صغير الحجم او في رقعة جغرافية معينة،والبعض الاخر يكون كبير الحجم ويتجاوز الحدود الدولية.
غالبية الثورات في التاريخ،هي فاشلة او غير محظوظة من ناحية النجاح في تسلم السلطة او في تغيير الواقع الملموس،ولذلك تختزن الذاكرة العالمية عدد كبير من المحاولات الثورية لتغيير الواقع السيء الذي تعيشه الشعوب.
بعض الثورات في حالة نجاحها تتحول الى ثورة تأكل ابنائها من خلال الصراعات الدموية بين قادة الثورة والتي تنتهي بسيطرة الجناح الاكثر قوة وقسوة ومكرا،مما يجعل الحكم يتحول الى ديكتاتورية جديدة بلباس ثوري!!.
الثورات الكبرى التي حققت اكبر الانجازات في التاريخ حتى لو كانت رحلتها غير سلمية،هي قليلة جدا...وخلال العصر الحديث تم الاتفاق على وضع اربعة ثورات كبرى في التاريخ المعاصر كان لها حمل اسم الثورة بجدارة من خلال طرحها شعارات مؤثرة في الشارع واصبحت تأثيراتها تتجاوز الحدود والاقوام،وقد حاول البعض من المفكرين اضافة ثورات اخرى لها تأثير مشابه مثل الثورة الانكليزية في القرن السابع عشر،ولكن تلك المحاولات بائت بالفشل الذريع...والثورات الاربعة الكبرى في التاريخ الحديث هي:الثورة الامريكية 1776،والثورة الفرنسية1789،والثورة الروسية1917،والثورة الايرانية1979...ومازالت افكار واصداء تلك الثورات مستمرة برغم تاريخها الطويل...
اما في التاريخ البشري الطويل فيمكن اضافة بعض الثورات والتي اثرت بقوة في التاريخ الحديث...
لكن تبقى الثورة الكبرى الاولى في العالم،والتي اثرت ومازال تاثيرها باقيا،وسوف يبقى ايضا،هي الثورة الحسينية والتي قادها الامام الحسين(ع) قبل حوالي 1400سنة...
هي الثورة الوحيدة التي يفتخر البشر بالانتماء اليها قلبا وقالبا...ومازالت الثورة الوحيدة في التاريخ التي يعيد مئات الملايين من البشر احياء ذكراها كل عام...وهي الثورة الوحيدة التي مازال اعدائها يحاربونها بكل دموية وقسوة وبشتى الحجج....
كذلك هي الثورة الوحيدة التي جمعت البشر بمختلف اتجاهاتهم حولها وفي نفس الوقت جمعت اعدائها ومن مختلف الاتجاهات والاهواء والنحل.
كما انها الثورة الكبرى التي تحمل تراثا فكريا وجهاديا هو من الضخامة بحيث لاتحمله اي ثورة اخرى...
كما انها الثورة الوحيدة التي تكون قيادتها وانصارها بمثل قدسية وروحانية الامام الحسين(ع) واتباعه...
ليست كل الثورات التي لايحالفها الحظ في تحقيق اهدافها الانية او ينتصر عليها خصومها،هي ثورات فاشلة،بل الفشل يكون عندما تنتهي الثورة ويختفي معها كل اثر...اما بالنسبة للثورة الحسينية فهي انتصرت بالدم والشهادة والمظلومية على الظلم والطغيان والفساد،ولو بعد حين...
لا احد يجاهر بالوقوف الى جانب قتلة الامام الحسين(ع) الان الا من جاهر بنصبه العداء الى آل البيت(ع)،وبالرغم ان هنالك الكثير من المتسترين بالعداء لمحبي الامام الحسين(ع)ويدعون حبهم الى آل البيت(ع) ولكن الحقيقة هو نصب العداء المخفي لهم بل هو مكشوف لمن يريد ان يختبرهم من خلال الحوار معهم حول الكثير من الامور المتفق عليها مثل الثورة الحسينية،فنجدهم حينها يعطون المبررات السخيفة التي لاتستند الى اي عقل او منطق او دين لقتلة الثورة....
تراث فكري ضخم:
رغم مرور اربعة عشر قرنا على الثورة الحسينية،الا انها تتجدد يوما بعد يوم من خلال الاكتشافات الروحانية والعقلية لها وفق المنظور الحديث،بحيث اصبحت الافكار الثورية للامام الحسين(ع) ونهضته اكثر فهما لدى العامة من الناس في الوقت الحاضر منها قبل مئات السنين في ظل العولمة الجديدة وانتشار الافكار الاساسية لحقوق الانسان في الحرية والعدالة والمساواة.
ولذلك نجد استمرار صدور الكثير من الدراسات والبحوث التي تنظر الى تلك الثورة العظيمة من مختلف الاتجاهات،بل ان اختلاف الاراء الناتج من اختلاف الطبائع البشرية هو الذي ادى الى اثراء الدراسات والفهم العام للثورة،بحيث لايستطيع اي فرد ان يدعي احتكاره للثورة او كونه الممثل الرئيسي لها في الوقت الحاضر.
وبأعتقادي ان الدراسات والبحوث والمقالات والكتب والنشرات سوف تستمر حول تلك الثورة العملاقة ولن يقف حاجزالزمن والبعد الجغرافي،عائقا امام فهم الثورة والتي اثارت اعجاب مختلف الاجناس البشرية والتي تعتنق مختلف الافكار والتي يصل بعضها الى التضارب مع السلوك العام المستند بقوة الى مبادئ الاسلام العظيم الصافية النقية...ولكن مادام الصراع بين الخير والشر مستمرا في هذا العالم فأن الطموح الانساني النبيل نحو الحرية والعدالة،سوف يجعل النفوس تقترب اكثر فأكثر نحو كل من قاوم الظلم والطغيان والفساد وكل الافكار الشريرة المنحرفة،وعلى رأس هؤلاء المقاومين الامام الحسين(ع)وآل بيته وصحبه الابرار...
لقد حطمت الثورة الكثير من القدسيات الزائفة والتي دخلت الاسلام من خلال متسلقي السلطة وأذنابهم ،بل كشفت ذلك للمخدوعين من الناس وخاصة البسطاء وخاصة في تلك العهود المظلمة التي كان الطواغيت يسيرون الناس وفق رغباتهم وشهواتهم ولذلك قيل الناس على دين ملوكهم!...
مازالت التشوهات التي عملتها السلطة الاموية الغاشمة ومن تبعها من ممالك مستبدة،سارية المفعول لحد الان ولذلك تتجدد الحاجة للثورة على الظلم والطغيان في كل مكان وزمان والذي بدوره يؤدي الى البحث عن طريق مستقيم للخلاص من النفق المظلم،وهذا الطريق يتمثل بكل ثائر مخلص يبذل كل مافي وسعه بما فيها حياته لتخليص الانسانية من شرور ابنائها الفجرة وقساة القلوب،والثوار الاحرار المخلصين كثيرون وعلى رأسهم الامام الحسين(ع)وصحبه.
بعض الدروس المستنبطة:
من خلال دراسة الثورات الكبرى في العالم،يمكن للمرء ان يستنبط الكثير من الدروس والعبر،ومن ضمنها الثورة الحسينية الكبرى،ويمكن ملاحظة ان الدروس ليست محددة بفكر واحد او برقم واحد،الا ان التأمل والدراسة بعمق وموضوعية يمكن ان يجعل كل فرد منا قادرا على الاستنباط لاخذ الدروس والعبر ...وهنا فلتات قليلة من التأمل الناتج من رؤية فردية بسيطة لثورة عملاقة:
1-اثبتت الثورة بجدارة ان حجم الثورة لايقاس بالكم ولكن بالكيف،بمعنى ان الثورات الكبرى في التاريخ لايقاس حجمها بكبر حجم المشاركين فيها،نعم ان كبر المشاركة في الثورة يعتبر اساسيا لنجاحها الاني والمستقبلي،مثل الثورات الكبرى الاربعة المعاصرة والتي سبقت الاشارة اليها،الا انه يمكن ملاحظة ان العديد من الثورات الشعبية والتي كانت المشاركة فيها كثيفة،قد فشلت سواء في تسلم السلطة او في ترك اثر فكري وثقافي عريض،مثل الثورات العديدة في افريقيا وآسيا بل حتى في العالم العربي وتاريخه المعاصر،وليراجع الموسوعات والكتب التاريخية من يريد الاطلاع والاستفادة من الاشارة لهذه الفكرة،بينما اذا اطلعنا على الثورة الحسينية الخالدة فهي كانت صغيرة الحجم من حيث عدد المشاركين فيها(دون المائة)ولكن كانت جيوش السلطة الغاشمة قد تجاوزت العشرات من الالاف!!،وفي النهاية رغم عدم نجاح الثورة الاني،الا انها نجحت في زرع بذور الثورة والاحتجاج في نفوس الجميع بالاضافة الى نشر الكثير من المبادئ والقيم السامية المستندة الى الاسلام وتعاليمه السمحاء،مما ادى في النهاية الى نجاحها على اعدائها وبعد ان قتل جميع المشتركين فيها بفترة زمنية قصيرة!.
لقد حمل لواء الثورة وافكارها عدد كبير من الناس وخلال فترة القرون الماضية الطويلة،وهم مستعدون لبذل كل طاقاتهم في سبيل اعلاء راية الثورة الحسينية المستندة وبدون ادنى شك الى مبادئ الشريعة السمحاء،ولانها تمثل مبادىء طبيعية ثابتة للجنس البشري.
2-اثبتت الثورة بجدارة تدخل العوامل الغيبية في انجاحها وافشال كل المخططات الشريرة لاخماد جذوة شعلتها،فالمعروف ان المعسكر المعادي للامام الحسين(ع) يمتلك من القوة والعدة الكافية لابادة رجالات الامام الحسين(ع) واخماد اي ذكر لهم،ولكن العناية الربانية كانت هي الغالبة بلا شك بحيث بقي بعض من شهد الواقعة والتي نقل تفاصيلها لبقية الناس،ولذلك كان مجيء اسر اهل البيت (ع) وانصارهم من الوسائل الهامة التي نقلت تفاصيل المعركة الى الرأي العام الذي كان منشغلا بأمور مختلفة ناهيك عن كبر حجم الدولة وانعدام وسائل الاتصال الحديثة التي تجعلهم يعرفون بتلك التفاصيل،وهذا يعطينا فكرة مهمة عن ضرورة وصول الاعلام الى الثورات واهمية العامل الاعلامي في نشر الحقائق للرأي العام بغية تحريضه وتحريكه ضد النظام المستبد.
ان القدسية المعروفة عن آل البيت(ع) كانت كافية لانزال الانتقام الالهي ولو بعد حين من القتلة الذين تجردوا من كل انسانية او اخلاقية في حربهم القاسية من اجل سلطة زائلة يمثلها انسان وضيع لايفقه شيئا استولى ابوه بالغدر والخيانة على مقدرات دولة دينية كبرى،وأدارها بأسلوب منحط جعل الجميع ينبذونه مما ادى الى نهاية سريعة في انتقام آلهي لايمكن نكرانه،وكذلك بالنسبة لقادة جيوش السلطة وبعض من برزوا في القتال من المقاتلين العاديين،وقد امتلئت كتب التاريخ بالحديث عن تفاصيل الانتقام الالهي الذي اعطى درسا واضحا للبقية بأن الحضور الغيبي هو بارز في الاحداث الجسام،وان دوره في تسير تلك الاحداث لايقل اهمية عن غيره بل يتفوق عليها خاصة انها صادرة من اله عظيم خالق الكون ومخلوقاته ومنهم الانسان الصغير الحجم والوضيع بأعماله الخسيسة!.
3- كسرت الثورة حاجز القدسية الزائفة بالنسبة للحكام والتي اخذت تثبت جذورها المستندة على تفسيرات ضيقة ولغرض المصلحة الشخصية للادلة الشرعية تدعو الى تقديس ولاة الامر حتى لو كانوا من الفاسقين او الذين يقفزون على السلطة في غفلة من الزمن وبصورة غير شرعية.
اختيار الحكام يخضع لضوابط شرعية وفق الشريعة الاسلامية،ورغم كون الاختيار كان محدودا لبضعة اشخاص من الصحابة في زمن الخليفة الثاني،الا انه يعتبر بحد ذاته مرحلة متقدمة من الاختيار الديمقراطي المحدود،ولكن الاختيار للخليفة الثالث كان تم بموافقة عضو وهو عبد الرحمن بن عوف وفق شرط غريب لابعاد الامام علي(ع)الذي رفضه،بينما قبله عثمان بن عفان،الذي اصبح على ضوئه خليفة ولكن سرعان ما اخل بهذا الشرط والذي هو وجوب السير بسيرة الخليفتين الاول والثاني،مما جعل ابن عوف يندم على اختياره ويعارضه بعد ذلك.
كانت خلافة الخليفة الثالث وبالا على الامة الاسلامية التي تحكم بها بنو امية نتيجة ضعف الخليفة وتفضيله اسرته على من سواها من الاسر،وقد كان الطغيان والفساد سببا رئيسيا للثورة،ورغم طول فترة خلافة الثالث(12عاما)الا انه لم يستمع الى المعارضة والنصائح بل تمادى في السير الخاطئ والذي يكون مقبولا عن البعض كونه من الصحابة!،ولكن لو سار بنفس السيرة اي شخص الان ومن ضمنهم حكام العرب المعاصرون لوصموا بشتى الاوصاف السيئة!وهذه من المتناقضات الكبيرة في الشخصية المسلمة والتي تصف اليهود بالفساد كونهم يعاقبون الفقير المسكين المسيء ولايعاقبون الشريف المتمكن ولكن مسيء!..وفي المقابل جرت نفس السيرة الخاطئة ولكن باسلوب يدعو الى القدسية الزائفة للحاكم،وكانت النتيجة ثورة من مختلف الامصار وعلى رأسها ثلاث هي البصرة والكوفة ومصر،هاجموا الخليفة لعدم قبوله بشروطهم لترك الخلافة بعد ان نكث وعوده عدة مرات!..فكانت نهايته مأساوية ورغم بلوغه عمر طويل(79عاما) الا انه رفض ترك الخلافة! مفضلا الموت عليها! في طريقة مثيرة للغاية كون الخليفة الاول دعى الى تقويمه او خلعه اذا سار بغير سيرة الرسول الاعظم(ص)ولكن الثالث سار بعكس السيرة واضاف برفض الخلع كونه قميص البسه الله سبحانه له!!انظر الى مقدار الانحراف في الحكم وتفسير الشريعة وخلال فترة قصيرة.
الثورة على الخليفة الثالث هي شرعية وعقلانية بمقاييس تلك الايام وايامنا ايضا،لانها تدعو الحاكم ان يكون عادلا وامينا،وبخلافه يتم طرده او ازالته،واذا لم يقبل فهو الذي يتحمل ذنب قتله!..فالناس تريد العيش بحرية وامان من خلال ولاة عادلون اما ان يأتي شخص ويحكم بخلاف ذلك بحجة صحابي فتلك مهزلة للعقل مازال الكثير يخضع لها ويتمسك بها بكل غباء وتجهيل للعقل والمنطق!.
عموما انتهت الثورة بقتله ثم بأختيار الناس للامام علي(ع) بصورة ديمقراطية قل نظيرها لانه لم يرغم احدا على مبايعته بل العكس الناس ارغمته!،ولكن نتائج الحكم الفاسد السابق قد ظهرت للعيان من خلال التمردات المختلفة وخاصة التمرد الاكبر في بلاد الشام والذي كسر قاعدة طاعة ولاية الامر(انظر للبعض في عدم تجويز الخروج على الولاة ثم يبررون لمعاوية خروجه!!).الجميل والمضحك عندما اسمع رأي يقول ان معاوية سياسي محنك يفيد الامة ويعرف كيف هو يروض الناس وفي المقابل يرفضون السياسيين الحاليين والذين يحكمون بنفس الطريقة ويتهمونهم بالخروج عن الاسلام وان السياسة نجاسة!.
مجرد خروج هؤلاء العصاة على خليفة يمثل قمة العدالة والانسانية والنزاهة والديمقراطية مثل الامام علي(ع) هي جريمة لاتغتفر لاي كان وخاصة لهؤلاء العصاة المارقين الذي شوهوا الاسلام وتاريخه لغرض التحكم بمصائر الامة الاسلامية الكبيرة وفق الشهوات والاهواء.
لم يجعل الامام علي(ع) حاجزا بينه وبين الناس في مختلف القضايا او التعامل اليومي،ولكن بعد استشهاده عام 40ه\661م واستيلاء معاوية بالغدر والخيانة على الحكم،انقلب الحكم الى ملكية استبدادية تسير بسيرة تخالف الاسلام نصا وروحا،واصبح الحاجز كبيرا بين السلطة الغاشمة التي مارست الظلم والطغيان بأبشع صوره ثم يأتي الممسوخون في كل زمان ومكان يحرموا الخروج على الحاكم مهما كان ظلمه بل بعضهم يتهم الامام الحسين (ع)وبصراحة ممزوجة بوقاحة لاحدود لها انه خارج على امام زمانه يزيد،وخاصة امام السلفية الذي كان مذموما في عصره ومقدسا في العصر الحاضر(ابن تيمية) الذي يمنح الجنة والنار لمن يشاء!!.
اختيار يزيد بن معاوية للخلافة لم يتم بصورة شرعية ولا عقلية وبالتالي خلافته مرفوضة الا عند الممسوخين المنحرفين امثاله!،ولذلك كانت الثورة الحسينية حاسمة في تحطيم ستار سميك من الزيف وضعه معاوية خلال فترة طويلة من حكمه بمساعدة الوضاعون للاحاديث والتفسيرات الخاطئة...
بعد الثورة الحسينية العملاقة،لم يصبح هنالك اي قدسية للحكام رغم الجهد المادي والمعنوي المبذول لوضع قدسية خاصة لهم وفرضها على الناس من خلال جيش عرمرم من وعاظ السلاطين واتباعهم خلال فترة اربعة عشر عاما من الحكم المتصل من خلال مئات الدويلات المنتشرة في العالم الاسلامي...وكانت النتيجة المحزنة لتسلق اراذل الامة مانراه الان من وضع مخزي لامة وجب ان تكون الاولى في كل شيء،فكانت النتيجة هي الانحطاط والعجز والبقاء في خارج التسلسل العام للامم !!.
4- اثبتت الثورة وبما لايدع مجال للشك ابدا،ان القلة ممكن ان تحقق المعجزات سواء اذا فشلت الثورة او نجحت،فبالنهاية تكون نتيجة الصبر والصمود على المبدأ الذي يشترط فيه ان يكون لغرض انساني نبيل،هو النجاح بلا شك.
لقد كان العدد المحدود من المشتركين في الثورة الحسينية غيرعائقا امام رجال الثورة او محبيها مادام الفكر الذي يحمله الثوار هو لغرض انقاذ الامة من النكسات المستمرة،كذلك ان الايمان بالله والاتكال عليه هو الاساس الاول في العمل الصدق لتغيير الاوضاع السيئة.
5-اسست الثورة لنظام فكري سياسي جديد يقوم على فرض الامة لارادتها وحريتها في اختيار حكامها،وقد كانت الفترة الطويلة من الزمن التي تلت تلك الثورة والتي تميزت بالمآسي المستمرة وعدم تطبيق دعوة الامام الحسين(ع)في الحرية والعدالة،كافية لتغيير الواقع من خلال مراجعة التراث الفكري الضخم الذي ابدعه الفقهاء والمثقفون من خلال استنباط اروع الافكار والنظريات التي تجعل الحكم في افضل صورة يمكن ان يخدم البشرية في تقدمها نحو السمو.
ولذلك هنالك ضرورة قصوى لتطبيق مبادئ الثورة الحسينية،بل يكفي اربعة عشر قرنا من السير في الاتجاه المعاكس،ولابد للامة ان تجرب ولكن بدون عوائق لكل ما جاء في الثورة الحسينية،حتى نرى بأنفسنا كيف تكون الحرية والعدالة والمساواة والالتزام بالشريعة الغراء ونتائجها الباهرة على كافة الاصعدة.
وفي الختام ارى ان تلك الثورة العملاقة مازالت تنتج الكثير من الابداعات الفكرية وفي شتى المجالات،وانتاجها الضخم لابد ان يكون في موضع التنفيذ،وتبقى الحسرة والالم على تلك الجريمة الكبرى المروعة في قتل الامام الحسين(ع)واهل بيته وصحبه ماثلة امامنا جميعا والتي هي رمز للفداء واسطورة خالدة للوفاء،يعجز الادب بمختلف الوانه عن التعبير عنها،بل كل ما ابدع حولها لايمثل سوى جزء بسيط من نتائج تلك الثورة العظيمة،وتبقى الظروف المتغيرة في العالم احدى اهم الوسائل لفهم اكبر او اظهار المزيد من الابداع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق