في يوم انطلاقتها،جرت تصفية افراد العائلة المالكة بطريقة وحشية لا تتناسب اطلاقا مع ما يوصف انه جرم،فالعائلة المالكة كانت تحكم العراق بدستور يمنحها صلاحيات محدودة،وبالتالي فأنها غير مسؤولة بالدرجة الاولى عن سوء الاوضاع في العراق،فالسياسيين والعسكريين هم الذين بديرون دفة الحكم وعلى رأسهم رئيس الوزراء نوري السعيد،اما الشخص الوحيد في العائلة الذي كان يتدخل في الحكم فهو الوصي الامير عبد الاله،ولذلك اذا اعتقد الثوار انه مسؤول عن الكثير من الانتهاكات،فالمفروض يخضع لمحاكمة عادلة يمنح له حق الدفاع عن نفسه،ولذلك فأن تصفية افراد العائلة المالكة وخاصة الملك الشاب فيصل الثاني الذي لم يكن يحكم سوى بالاسم،والكثير من النساء،كان جريمة ووصمة عار في جبين من قاموا بها،ويعتقد ان الكثيرين بما فيهم الزعيم قاسم،كان ضد عملية التصفية،وعموما ان عملية التصفية في حينها كانت تخضع للكثير من التأثيرات المحلية والدولية وكانت عملية انتقام فوري بدون حكمة او عدالة،وقد انتحر الضابط عبد الستار سبع العبوسي عام 1970 وهو الذي ابتدأ عملية اطلاق النار ضد افراد العائلة المالكة كنتيجة لتأنيب الضمير المستمر ،بعد ان شاهد كيف تحول الحاكمون بعد العائلة المالكة الى مجموعة من الوحوش والسراق.
عملية قتل العائلة المالكة كان ينظر اليها باعجاب في حينها،اما الان فالزمن تغير والنفوس تغيرت،والاراء والميول تغيرت،ولذلك تكون الاحكام ايضا خاضعة للتغير.
الشيء الثالث،لم تكن محاكمات افراد النظام الملكي عادلة،ولم تكن احكامها عادلة ولذلك اصدرت احكام جائرة او قاسية جدا لاتتناسب مع طبيعة الاتهام او الجرم المشهود،ومنها محاكمة سعيد القزاز وغيره،كذلك هروب الكثيرين من العاملين في الدولة وبعضهم وطني ونزيه ويحمل شهادات عليا كانت نادرة في ذلك الزمان.
كذلك ان اتهام العائلة المالكة وبعض افراد الحكومة بالفساد ومنها سرقة المال العام وتبذيره فيه مبالغة كبيرة ان لم يكن صحيحا بالاضافة الى انه حتى لو صحت الاتهامات بالفساد،فأنها لا تقارن بتاتا بالفساد والاجرام الذي حصل بالعراق منذ 1963 او في باقي الدول العربية الاخرى،وبالتالي ضرورة اعادة الاعتبار لتلك العائلة يعتبر امرا ضروريا وعادلا وعملية تصحيح للتاريخ والتشويه الذي حدث له،بالطبع حصلت الكثير من الاخطاء ولكن مسؤولية العائلة المالكة لم تكن بذات قيمة خاصة منذ مقتل الملك غازي عام 1939،كما ان الكثير من الدول التي تغيرت انظمتها للنظام الجمهوري،اعادت الاعتبار بصيغة او بأخرى للعوائل الحاكمة او عوائل مسؤوليها السابقين،وهي عملية اخلاقية وحضارية،ولا تسبب جرح اخلاقي للثائرين الوطنيين الذي لم تنغمس اياديهم بالاجرام والدماء البريئة.
الانجازات التي قامت بها حكومة الثورة،كثيرة ولا مجال لبحثها الان،ونزاهة وطيبة الجنرال عبد الكريم قاسم لامجال للحديث عنها،ورغم محاولات الانقلابيين خلال فترة اربعة عقود من الزمن،محو كل ذكر له،لكن الواقع حاليا ان صورته ازدادت لمعانا واعداد محبيه ازدادوا ايضا خاصة بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها اعدائه في الحكم من بعده،والتي لم تمنحهم الشرعية او الصدقية بل منحتهم صفة المجرمين الفاسدين الذين لا يمتلكون ذرة من النزاهة والوطنية والعدالة والرجولة.
كثير من مشاريع الحكم العراقي بين عامي1958-1963 لم تكن مدروسة او لم يمنح الوقت الكافي لدراسات الجدوى منها بل الكثير منها اقيم وفق ضرورات المرحلة،ولكن كانت النية الصادقة في عملية اجرائها ساعد في التقليل من مساوئها او خسائرها،ولكن بنفس الوقت كان البعض منها في غاية الاهمية بل سابق لعصره،ولم يجري في العهود اللاحقة رغم كثرة الاموال نتيجة لارتفاع اسعار النفط ،اية مشاريع ترقى اليها،بل يكفي بناء مدينة ضخمة حديثة للفقراء في الجانب الشرقي لبغداد،ان يكون عامل فخر واعتزاز لقادة الثورة الذين بقوا على نهجهم الوطني،ولم يحدث في العصور اللاحقة اي عملية بناء تذكر.
نظرا لضخامة الانقلاب وكثرة المشاركين فيه من العسكريين الا ان اللون المذهبي والقومي للدولة الجديدة لم يتغير،رغم المحاولات العديدة من الزعيم قاسم العمل جاهدا لالغاء الطائفية والعنصرية الا ان محاولاته لم تنجح بسبب بقاء السيطرة السياسية والعسكرية لطائفة العرب السنة والذين يشكلون خمس سكان العراق،مما جعل محاولات تغيير الشكل الطائفي والقومي للدولة شبه مستحيل في غضون خمس سنوات،هذا بالاضافة الى ان توفر مجال من الحرية جعل الاكثرية المهمشة في السابق،تحصل على الكثير من حقوقها مما جعل الطائفيين والقوميين المتعصبين ينظرون للواقع الجديد بكثير من الريبة والشك مما جعلهم يكثفون جهودهم للانقلاب على الثورة ومبادئها المعلنة في الحرية والعدالة والمساواة،حتى نجحوا في 8شباط الاسود1963 في تحقيق احلامهم السوداء وارجاع الحكم الى وضعه الشاذ مما جعل التمييز الطائفي والقومي يصل الى اعلى الدرجات بل واصبح كبار رجال الدولة يجاهرون به حتى اشتهر عبد السلام عارف به،ثم وصل اعلى مراحله لدى الديكتاتوريين السابقين البكر وصدام،والذي وصل حد الابادة الجماعية والارهاب الذي لا حدود له.
من اكبر اخطاء حكومة قاسم هو الابقاء على الاجهزة الامنية القمعية رغم تحديد صلاحياتها،وكذلك القوات المسلحة وبالتالي سنحت الفرصة للانقلابيين السيطرة على الامور بسهولة مرة اخرى،مما يدل ان التغيير لم يكن جذريا،بل كان من قمة الهرم السلطوي فقط،اما التغييرات داخل المجتمع وان كانت كبيرة في بعض المواقع الا ان استمراريتها توقفت بسبب عودة رموز الارهاب الطائفي والقومي الى السلطة،والذي مارس الارهاب بصلاحيات غير محدودة وبوحشية منقطعة النظير،ولذلك فأن التغيير بعد 2003 اذا لم يصاحبه تغيير جذري باجهزة الدولة وخاصة العسكرية والامنية،فأن عودة الديكتاتورية ورموزها يكون سهلا.
رغم وعود الثورة باحلال الحكم المدني وعودة الديمقراطية،الا ان ذلك لم يتحقق بسبب العقلية العسكرية المسيطرة،والظروف الدولية،الا ان الزعيم قاسم وعد قبل سقوطه باسابيع انه سوف يجري انتخابات ديمقراطية مما عجل باسقاطه خوفا من التغيير الكامل في الدولة عن طريق وصول الطبقات الفقيرة الى مناصب الدولة العليا مما يمنع المتآمرين من التحكم من جديد باجهزة السلطة القمعية والاقتصادية.عدم عودة الديمقراطية خلال 5 سنوات ساعد على عودة الديكتاتورية المقيتة،والسماح فقط بظهور الاحزاب،لم يمنع من التناحر فيما بينها،كذلك التساهل والتهاون مع مليشيات الاحزاب ساعد على ظهور الصراع بين افراد المجموعات السياسية بعنف لا حدود له،سقط على اثره الكثير من الضحايا،لذلك لم تكن هناك خطط للدولة في فرض الامن والنظام على الجميع ولم يكن هناك دستور دائم وقوانيين انتخابات بل ترك الامر بدون عمل شيء مما سبب الكوارث على العراق.
لم تستطع الدولة حل المشكلة الكردية بصورة شاملة بل ادى التصلب في المواقف لدى الطرفين،الكردي والمركز الى اندلاع النزاع المسلح عام 1961 والذي ادى الى سقوط عدد كبير من الضحايا وتدمير البنى التحتية في الشمال ناهيك عن اشغال الجيش العراقي في نزاع داخلى مما سبب له وللدولة نزيف مادي وبشري جعل البلاد في حالة من عدم الاستقرار وجعل الدولة ضعيفة في مواقفها الدولية وخاصة لدى جيران العراق الذين لم نزاعات ومشاكل مع الدولة العراقية،ولذلك فأن حل النزاع بالطرق السلمية لم يكن بالجهد المطلوب،نعم ان حكومة الثورة سمحت بعودة المعارضين من الخارج وخاصة الاكراد الا ان ذلك لم يكن في دمجهم بالمجتمع وخاصة في العملية السياسية،بل جرى ابعادهم مما سبب لدى الناقمين احباط ترجم الى عنف وتمرد،وكان من الممكن حل الكثير من المشاكل بالطرق السلمية الا ان النزعة العسكرية تميل في الغالب الى حل الامور بالقوة والعنف،مما يولد عنف مضاد يجعل البلد في حالة صراع داخلي يؤدي الى اخلال في السلم الاهلي ويمزق النسيج الاجتماعي للشعب بوسائل متعددة.
الكثير من سياسات الدولة الخارجية لم تكن تدار بطريقة عقلانية،فالمشاكل التي واجهتها حكومة قاسم،احيانا يكون سوء ادارة الدبلوماسية العراقية،سببا في فقدان العراق للكثير من القضايا العالقة،مثل ازمة الكويت والصراع الحدودي مع ايران الشاه،والصراع مع تركيا التي كانت في حلف مع النظام السابق ولكن بعد انقلاب 1960 في تركيا عادت العلاقات الى طبيعتها لان العسكر الاتراك سيطروا على الحكم بنفس طريقة العسكر في العراق وحكموا البلاد بطريقة ديكتاتورية تفرض العلمانية بطريقة متخلفة سببت معاناة وعنف مضاد لدى الشعب التركي مما جعله يفقد الكثير من آماله وطموحاته في مستقبل زاهر،واسقطوا حكم مدني ديمقراطي ولكن عقلية الحكم العراقي وجدت في العسكر الاتراك اصدقاء جدد رغم بقائهم في تحالف قوي مع الغرب المعادي للحكومة العراقية آنذاك! .
لكن هناك بالدرجة الاخرى حالة الاصطدام مع عبد الناصر وديكتاتوريته المستندة الى شارع عربي جاهل تحكمه العواطف لا العقول،ولذلك فأن النزاع لم يكن من اخطاء حكم قاسم بل فرضت عليه فرضا،لان نظام ناصر عمل وبكل الوسائل الغير شرعية والغير اخلاقية على اسقاط النظام العراقي الجديد لانه لم يخضع لحكم ناصر الاستبدادي والذي يدعو الى الوحدة العربية الشاملة بدون دراسة او وعي لحالة الشعوب العربية بل الى حكم مركزي استبدادي يمنع الحريات والاحزاب والديمقراطية،مما ادى الى فشلها الذريع في الوحدة الاندماجية مع سوريا عام 1961 ثم نكبة 1967 التي اسقطت الناصرية وحكمها الارهابي في مصر شكلا ومضمونا مما ادى الى تراجعها وانحدارها ثم ادى الى موتها بعد رحيل عبد الناصر عام 1970 ولم يبقى من تياره الا جماعات صغيرة تسبح عكس التيار وتحاول التبرء من ماضي اسود بدون اعادة الاعتبار للضحايا وتجريم الجلاوزة!!.
الصراع مع شركات النفط الغربية كان له مايبرره ولذلك اسقطت الحكومة العراقية بالتحالف بين شركات النفط والقوميين !! والتأميم الحقيقي للنفط العراقي كان في قانون 80 لعام 1961 وليس عام 1972 وما بعده الذي بقى سريا في مفاوضات لم تكشف للعلن! كذلك الانسحاب من الاحلاف العسكرية وخاصة حلف بغداد والغاء القواعد العسكرية الاجنبية والانسحاب من منطقة الاسترليني وتحرير الاقتصاد العراقي من تبعيته،تعتبر من منجزات الدولة الحقيقة ورغم ان التخطيط الاقتصادي والاجتماعي بقي فوضويا وغير مدروس الا انه افضل من العهود التي تلته بكثير.
حالة حقوق الانسان في العراق رغم انها لم تكن بالمستوى بالمطلوب الا ان سياسة الدولة خاصة في العفو عن السياسيين المعارضين رغم انها سياسة حكيمة الا ان ذلك شجع الكثير من العناصر السيئة في الاشتراك في مؤامرات عديدة مستندين الى ان فشلها لن تكون له عواقب سيئة بل يكون اقصى عقوبة السجن وهو كان في تلك الايام افضل بكثير من سجون العراق والدول العربية الاخرى الان،بل ان حالة الحرية لدى الشعب العراقي كانت تفوق حالة الشعوب العربية الاخرى مثل المصري والسوري والسعودي والايراني،مما جعل تلك البلاد تنظر بريبة وشك للنظام الحاكم الذي كان يجاهر بالعداء اليها مما جلب له عداء كان من الممكن تجنب الكثير منه لو اديرت الامور بروية وعقلانية،نظرا لحالة الانظمة العربية المعروفة لغاية الان وهي انظمة استبدادية تقودها عقول متحجرة لا تفهم سوى منطق القوة والارهاب في سبيل البقاء في سدة الحكم لاطول فترة ممكنة بغض النظر عن عدد الضحايا!!.
ورغم ذلك فأن حكومة العراق قامت بأعمال جليلة في خارج العراق منها مساعداتها الضخمة للثورة الجزائرية ولم تستغل ذلك اعلاميا كما فعلت حكومة عبد الناصر التي كانت حجم مساعداتها اقل ولكن صورته في وسائل اعلامها بكثير التهويل والتضخيم والضجيج!وكذلك مساعداتها للفلسطينيين بدون استغلال ذلك في تجميل صورة النظام او اخذ موطيء قدم في الساحة الفلسطينية او تأجيج الصراع الداخلي الفلسطيني كما فعلت حكومة صدام والانظمة الاخرى.
الصراع الداخلي بين قادة الثورة كان نتيجة منطقية للتباين بين آراء وشخصيات المشاركين في الانقلاب،وكان متوقعا ذلك جريا وراء قاعدة الثورة تاكل ابنائها،وهي في الحقيقة صراع مستميت بين الاجنحة على السلطة ولذلك تكون الرحمة والاخوة مفقودة من قاموس الثائرين وخاصة الذين يقاتلون من اجل المصالح الشخصية الضيقة ومما ساعد على تأجيج الصراع هو عدم وجود قانون او شرعية تحكم بين افرادها بالعدل والعقل بل اصبح الصراع وفق قاعدة منطق الغاب وشريعتها في البقاء للاقوى ولا يسمح بحلول منطق العقل والتحضر.ورغم ان غالبية القادة وعلى رأسهم الزعيم قاسم يحملون الكثير من مباديء الفروسية والرجولة والشهامة سواء في تعاملهم مع مؤيديهم او معارضيهم مما افتقده حكم عارف وحكم البعث بقيادة البكر وصدام،الان ان ذلك لم يمنع من وصول الانتهازيين واراذل الشعب الى سدة الحكم ما دام النظام غير مؤسساتي بل يدار بطريقة الرأس الواحد وتخضع الحكومة لرغباته واوامره حتى لو كانت صادرة عن طيبة،فالحكم الفردي كارثي مهما كان شكله وايديولوجيته.
فتح الباب على مصراعيه بين الاحزاب الراديكالية المتشددة التي تحكمها اصول السرية والغش والبطش بالمخالفين،مما جعل الكوارث والمآسي تنهمر على رؤوس العراقيين من جهال الشعب وجلاوزته المجرمين مما افقده الاحترام الداخلي والخارجي وسبب في تخلف البلاد الفظيع في جميع النواحي.
دراسة ثورة 14تموز برأي مؤيديها او انقلاب 14 تموز برأي معارضيها يجب ان يخضع للعقل والمنطق والتاريخ وتغير الاوضاع الدولية بما فيها انتشار مبادئ حقوق الانسان والديمقراطية،وليس هناك اي مجال للعاطفة في اصدار الاحكام بل يجب الحكم من منظور حديث يختلف كليا عن المنظور السابق الخاضع للايديولوجيات المتشددة في كل المذاهب الفكرية،وبالاستناد الى المراحل التي تلتها بأعتبارها نتيجة منطقية للعمل الانقلابي على مؤسسات الدولة بغض النظر عن سلامة نية القائمين بالحدث او وطنيتهم او نزاهتهم المشهودة لهم بل ان الاعمال وتأثيراتها الجانبية لا تحدث بالنيات الطيبة فقط بل بالاعمال الطيبة...
عملية قتل العائلة المالكة كان ينظر اليها باعجاب في حينها،اما الان فالزمن تغير والنفوس تغيرت،والاراء والميول تغيرت،ولذلك تكون الاحكام ايضا خاضعة للتغير.
الشيء الثالث،لم تكن محاكمات افراد النظام الملكي عادلة،ولم تكن احكامها عادلة ولذلك اصدرت احكام جائرة او قاسية جدا لاتتناسب مع طبيعة الاتهام او الجرم المشهود،ومنها محاكمة سعيد القزاز وغيره،كذلك هروب الكثيرين من العاملين في الدولة وبعضهم وطني ونزيه ويحمل شهادات عليا كانت نادرة في ذلك الزمان.
كذلك ان اتهام العائلة المالكة وبعض افراد الحكومة بالفساد ومنها سرقة المال العام وتبذيره فيه مبالغة كبيرة ان لم يكن صحيحا بالاضافة الى انه حتى لو صحت الاتهامات بالفساد،فأنها لا تقارن بتاتا بالفساد والاجرام الذي حصل بالعراق منذ 1963 او في باقي الدول العربية الاخرى،وبالتالي ضرورة اعادة الاعتبار لتلك العائلة يعتبر امرا ضروريا وعادلا وعملية تصحيح للتاريخ والتشويه الذي حدث له،بالطبع حصلت الكثير من الاخطاء ولكن مسؤولية العائلة المالكة لم تكن بذات قيمة خاصة منذ مقتل الملك غازي عام 1939،كما ان الكثير من الدول التي تغيرت انظمتها للنظام الجمهوري،اعادت الاعتبار بصيغة او بأخرى للعوائل الحاكمة او عوائل مسؤوليها السابقين،وهي عملية اخلاقية وحضارية،ولا تسبب جرح اخلاقي للثائرين الوطنيين الذي لم تنغمس اياديهم بالاجرام والدماء البريئة.
الانجازات التي قامت بها حكومة الثورة،كثيرة ولا مجال لبحثها الان،ونزاهة وطيبة الجنرال عبد الكريم قاسم لامجال للحديث عنها،ورغم محاولات الانقلابيين خلال فترة اربعة عقود من الزمن،محو كل ذكر له،لكن الواقع حاليا ان صورته ازدادت لمعانا واعداد محبيه ازدادوا ايضا خاصة بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها اعدائه في الحكم من بعده،والتي لم تمنحهم الشرعية او الصدقية بل منحتهم صفة المجرمين الفاسدين الذين لا يمتلكون ذرة من النزاهة والوطنية والعدالة والرجولة.
كثير من مشاريع الحكم العراقي بين عامي1958-1963 لم تكن مدروسة او لم يمنح الوقت الكافي لدراسات الجدوى منها بل الكثير منها اقيم وفق ضرورات المرحلة،ولكن كانت النية الصادقة في عملية اجرائها ساعد في التقليل من مساوئها او خسائرها،ولكن بنفس الوقت كان البعض منها في غاية الاهمية بل سابق لعصره،ولم يجري في العهود اللاحقة رغم كثرة الاموال نتيجة لارتفاع اسعار النفط ،اية مشاريع ترقى اليها،بل يكفي بناء مدينة ضخمة حديثة للفقراء في الجانب الشرقي لبغداد،ان يكون عامل فخر واعتزاز لقادة الثورة الذين بقوا على نهجهم الوطني،ولم يحدث في العصور اللاحقة اي عملية بناء تذكر.
نظرا لضخامة الانقلاب وكثرة المشاركين فيه من العسكريين الا ان اللون المذهبي والقومي للدولة الجديدة لم يتغير،رغم المحاولات العديدة من الزعيم قاسم العمل جاهدا لالغاء الطائفية والعنصرية الا ان محاولاته لم تنجح بسبب بقاء السيطرة السياسية والعسكرية لطائفة العرب السنة والذين يشكلون خمس سكان العراق،مما جعل محاولات تغيير الشكل الطائفي والقومي للدولة شبه مستحيل في غضون خمس سنوات،هذا بالاضافة الى ان توفر مجال من الحرية جعل الاكثرية المهمشة في السابق،تحصل على الكثير من حقوقها مما جعل الطائفيين والقوميين المتعصبين ينظرون للواقع الجديد بكثير من الريبة والشك مما جعلهم يكثفون جهودهم للانقلاب على الثورة ومبادئها المعلنة في الحرية والعدالة والمساواة،حتى نجحوا في 8شباط الاسود1963 في تحقيق احلامهم السوداء وارجاع الحكم الى وضعه الشاذ مما جعل التمييز الطائفي والقومي يصل الى اعلى الدرجات بل واصبح كبار رجال الدولة يجاهرون به حتى اشتهر عبد السلام عارف به،ثم وصل اعلى مراحله لدى الديكتاتوريين السابقين البكر وصدام،والذي وصل حد الابادة الجماعية والارهاب الذي لا حدود له.
من اكبر اخطاء حكومة قاسم هو الابقاء على الاجهزة الامنية القمعية رغم تحديد صلاحياتها،وكذلك القوات المسلحة وبالتالي سنحت الفرصة للانقلابيين السيطرة على الامور بسهولة مرة اخرى،مما يدل ان التغيير لم يكن جذريا،بل كان من قمة الهرم السلطوي فقط،اما التغييرات داخل المجتمع وان كانت كبيرة في بعض المواقع الا ان استمراريتها توقفت بسبب عودة رموز الارهاب الطائفي والقومي الى السلطة،والذي مارس الارهاب بصلاحيات غير محدودة وبوحشية منقطعة النظير،ولذلك فأن التغيير بعد 2003 اذا لم يصاحبه تغيير جذري باجهزة الدولة وخاصة العسكرية والامنية،فأن عودة الديكتاتورية ورموزها يكون سهلا.
رغم وعود الثورة باحلال الحكم المدني وعودة الديمقراطية،الا ان ذلك لم يتحقق بسبب العقلية العسكرية المسيطرة،والظروف الدولية،الا ان الزعيم قاسم وعد قبل سقوطه باسابيع انه سوف يجري انتخابات ديمقراطية مما عجل باسقاطه خوفا من التغيير الكامل في الدولة عن طريق وصول الطبقات الفقيرة الى مناصب الدولة العليا مما يمنع المتآمرين من التحكم من جديد باجهزة السلطة القمعية والاقتصادية.عدم عودة الديمقراطية خلال 5 سنوات ساعد على عودة الديكتاتورية المقيتة،والسماح فقط بظهور الاحزاب،لم يمنع من التناحر فيما بينها،كذلك التساهل والتهاون مع مليشيات الاحزاب ساعد على ظهور الصراع بين افراد المجموعات السياسية بعنف لا حدود له،سقط على اثره الكثير من الضحايا،لذلك لم تكن هناك خطط للدولة في فرض الامن والنظام على الجميع ولم يكن هناك دستور دائم وقوانيين انتخابات بل ترك الامر بدون عمل شيء مما سبب الكوارث على العراق.
لم تستطع الدولة حل المشكلة الكردية بصورة شاملة بل ادى التصلب في المواقف لدى الطرفين،الكردي والمركز الى اندلاع النزاع المسلح عام 1961 والذي ادى الى سقوط عدد كبير من الضحايا وتدمير البنى التحتية في الشمال ناهيك عن اشغال الجيش العراقي في نزاع داخلى مما سبب له وللدولة نزيف مادي وبشري جعل البلاد في حالة من عدم الاستقرار وجعل الدولة ضعيفة في مواقفها الدولية وخاصة لدى جيران العراق الذين لم نزاعات ومشاكل مع الدولة العراقية،ولذلك فأن حل النزاع بالطرق السلمية لم يكن بالجهد المطلوب،نعم ان حكومة الثورة سمحت بعودة المعارضين من الخارج وخاصة الاكراد الا ان ذلك لم يكن في دمجهم بالمجتمع وخاصة في العملية السياسية،بل جرى ابعادهم مما سبب لدى الناقمين احباط ترجم الى عنف وتمرد،وكان من الممكن حل الكثير من المشاكل بالطرق السلمية الا ان النزعة العسكرية تميل في الغالب الى حل الامور بالقوة والعنف،مما يولد عنف مضاد يجعل البلد في حالة صراع داخلي يؤدي الى اخلال في السلم الاهلي ويمزق النسيج الاجتماعي للشعب بوسائل متعددة.
الكثير من سياسات الدولة الخارجية لم تكن تدار بطريقة عقلانية،فالمشاكل التي واجهتها حكومة قاسم،احيانا يكون سوء ادارة الدبلوماسية العراقية،سببا في فقدان العراق للكثير من القضايا العالقة،مثل ازمة الكويت والصراع الحدودي مع ايران الشاه،والصراع مع تركيا التي كانت في حلف مع النظام السابق ولكن بعد انقلاب 1960 في تركيا عادت العلاقات الى طبيعتها لان العسكر الاتراك سيطروا على الحكم بنفس طريقة العسكر في العراق وحكموا البلاد بطريقة ديكتاتورية تفرض العلمانية بطريقة متخلفة سببت معاناة وعنف مضاد لدى الشعب التركي مما جعله يفقد الكثير من آماله وطموحاته في مستقبل زاهر،واسقطوا حكم مدني ديمقراطي ولكن عقلية الحكم العراقي وجدت في العسكر الاتراك اصدقاء جدد رغم بقائهم في تحالف قوي مع الغرب المعادي للحكومة العراقية آنذاك! .
لكن هناك بالدرجة الاخرى حالة الاصطدام مع عبد الناصر وديكتاتوريته المستندة الى شارع عربي جاهل تحكمه العواطف لا العقول،ولذلك فأن النزاع لم يكن من اخطاء حكم قاسم بل فرضت عليه فرضا،لان نظام ناصر عمل وبكل الوسائل الغير شرعية والغير اخلاقية على اسقاط النظام العراقي الجديد لانه لم يخضع لحكم ناصر الاستبدادي والذي يدعو الى الوحدة العربية الشاملة بدون دراسة او وعي لحالة الشعوب العربية بل الى حكم مركزي استبدادي يمنع الحريات والاحزاب والديمقراطية،مما ادى الى فشلها الذريع في الوحدة الاندماجية مع سوريا عام 1961 ثم نكبة 1967 التي اسقطت الناصرية وحكمها الارهابي في مصر شكلا ومضمونا مما ادى الى تراجعها وانحدارها ثم ادى الى موتها بعد رحيل عبد الناصر عام 1970 ولم يبقى من تياره الا جماعات صغيرة تسبح عكس التيار وتحاول التبرء من ماضي اسود بدون اعادة الاعتبار للضحايا وتجريم الجلاوزة!!.
الصراع مع شركات النفط الغربية كان له مايبرره ولذلك اسقطت الحكومة العراقية بالتحالف بين شركات النفط والقوميين !! والتأميم الحقيقي للنفط العراقي كان في قانون 80 لعام 1961 وليس عام 1972 وما بعده الذي بقى سريا في مفاوضات لم تكشف للعلن! كذلك الانسحاب من الاحلاف العسكرية وخاصة حلف بغداد والغاء القواعد العسكرية الاجنبية والانسحاب من منطقة الاسترليني وتحرير الاقتصاد العراقي من تبعيته،تعتبر من منجزات الدولة الحقيقة ورغم ان التخطيط الاقتصادي والاجتماعي بقي فوضويا وغير مدروس الا انه افضل من العهود التي تلته بكثير.
حالة حقوق الانسان في العراق رغم انها لم تكن بالمستوى بالمطلوب الا ان سياسة الدولة خاصة في العفو عن السياسيين المعارضين رغم انها سياسة حكيمة الا ان ذلك شجع الكثير من العناصر السيئة في الاشتراك في مؤامرات عديدة مستندين الى ان فشلها لن تكون له عواقب سيئة بل يكون اقصى عقوبة السجن وهو كان في تلك الايام افضل بكثير من سجون العراق والدول العربية الاخرى الان،بل ان حالة الحرية لدى الشعب العراقي كانت تفوق حالة الشعوب العربية الاخرى مثل المصري والسوري والسعودي والايراني،مما جعل تلك البلاد تنظر بريبة وشك للنظام الحاكم الذي كان يجاهر بالعداء اليها مما جلب له عداء كان من الممكن تجنب الكثير منه لو اديرت الامور بروية وعقلانية،نظرا لحالة الانظمة العربية المعروفة لغاية الان وهي انظمة استبدادية تقودها عقول متحجرة لا تفهم سوى منطق القوة والارهاب في سبيل البقاء في سدة الحكم لاطول فترة ممكنة بغض النظر عن عدد الضحايا!!.
ورغم ذلك فأن حكومة العراق قامت بأعمال جليلة في خارج العراق منها مساعداتها الضخمة للثورة الجزائرية ولم تستغل ذلك اعلاميا كما فعلت حكومة عبد الناصر التي كانت حجم مساعداتها اقل ولكن صورته في وسائل اعلامها بكثير التهويل والتضخيم والضجيج!وكذلك مساعداتها للفلسطينيين بدون استغلال ذلك في تجميل صورة النظام او اخذ موطيء قدم في الساحة الفلسطينية او تأجيج الصراع الداخلي الفلسطيني كما فعلت حكومة صدام والانظمة الاخرى.
الصراع الداخلي بين قادة الثورة كان نتيجة منطقية للتباين بين آراء وشخصيات المشاركين في الانقلاب،وكان متوقعا ذلك جريا وراء قاعدة الثورة تاكل ابنائها،وهي في الحقيقة صراع مستميت بين الاجنحة على السلطة ولذلك تكون الرحمة والاخوة مفقودة من قاموس الثائرين وخاصة الذين يقاتلون من اجل المصالح الشخصية الضيقة ومما ساعد على تأجيج الصراع هو عدم وجود قانون او شرعية تحكم بين افرادها بالعدل والعقل بل اصبح الصراع وفق قاعدة منطق الغاب وشريعتها في البقاء للاقوى ولا يسمح بحلول منطق العقل والتحضر.ورغم ان غالبية القادة وعلى رأسهم الزعيم قاسم يحملون الكثير من مباديء الفروسية والرجولة والشهامة سواء في تعاملهم مع مؤيديهم او معارضيهم مما افتقده حكم عارف وحكم البعث بقيادة البكر وصدام،الان ان ذلك لم يمنع من وصول الانتهازيين واراذل الشعب الى سدة الحكم ما دام النظام غير مؤسساتي بل يدار بطريقة الرأس الواحد وتخضع الحكومة لرغباته واوامره حتى لو كانت صادرة عن طيبة،فالحكم الفردي كارثي مهما كان شكله وايديولوجيته.
فتح الباب على مصراعيه بين الاحزاب الراديكالية المتشددة التي تحكمها اصول السرية والغش والبطش بالمخالفين،مما جعل الكوارث والمآسي تنهمر على رؤوس العراقيين من جهال الشعب وجلاوزته المجرمين مما افقده الاحترام الداخلي والخارجي وسبب في تخلف البلاد الفظيع في جميع النواحي.
دراسة ثورة 14تموز برأي مؤيديها او انقلاب 14 تموز برأي معارضيها يجب ان يخضع للعقل والمنطق والتاريخ وتغير الاوضاع الدولية بما فيها انتشار مبادئ حقوق الانسان والديمقراطية،وليس هناك اي مجال للعاطفة في اصدار الاحكام بل يجب الحكم من منظور حديث يختلف كليا عن المنظور السابق الخاضع للايديولوجيات المتشددة في كل المذاهب الفكرية،وبالاستناد الى المراحل التي تلتها بأعتبارها نتيجة منطقية للعمل الانقلابي على مؤسسات الدولة بغض النظر عن سلامة نية القائمين بالحدث او وطنيتهم او نزاهتهم المشهودة لهم بل ان الاعمال وتأثيراتها الجانبية لا تحدث بالنيات الطيبة فقط بل بالاعمال الطيبة...
هناك تعليق واحد:
رصد وقراءة تاريخية انا شخصياً استمتعت واستفدت منها
تحياتي
إرسال تعليق