مذكرات من بيت الاغتراب 10:
صدفة وتأمل!:
نصادف بعض الوقائع النادرة والتي لا نتوقع حدوثها ومن بينها رؤية بعض المشاهير في مختلف المجالات عن قرب ومن بعدها يبدأ تحليل المصادفة والتأمل بتفاصيلها للوصول الى الاستنتاجات الواقعية التي تلائم الصدفة وظروفها وما تعكسه على الواقع الراهن بغض النظر عن اهميتها!...
كانت المصادفة في رؤية شخص سألني عن ماهية بناء جديد وعندها استنتجت انه غريبا فسألته عن مدينته الاصلية فذكر انها بيرث عاصمة اكبر الولايات الاسترالية حجما واكثرها ثراءا،وحينها تبادر سريعا الى ذهني التشابه بين الشخص المذكور وبين رئيس وزراء سابق لتلك الولاية يدعى ريتشارد كورت ترك منصبه منذ عقد من الزمن،فذكرت ذلك له ولم اكن اتوقع ان يقول انه هو بالفعل رئيس الوزراء السابق الذي لا يعرفه الا قلة وبخاصة في الولايات الاخرى في بلد يتبدل السياسيون كتبدل الموظفين!...وبالطبع لولا المتابعة البسيطة للواقع السياسي وحضور الذاكرة لما تمت المقارنة والسؤال!.
كان ملبسه بسيطا جدا ويحمل بنفسه حقيبة السفر ولم يملك اي مظاهر تدل على حجم منصبه السابق والتي من بينها الحراسة الامنية التي سألته عنها متعمدا رغم معرفتي المسبقة بالجواب!...فكانت اجابته انه خلال فترة عمله السابقة لم يكن له اي حرس شخصي فكيف الان! ثم اردف القول ان خلفه وضع له حارس لا يدل على حرص امني بل نتيجة شكلية للمتغيرات الدولية والمحلية المتسارعة!...وحينها ذكرته بطغاة الشرق الاوسط الذين يحرصون بغباء شديد على استنزاف ميزانيات شعوبهم لغرض الحماية الامنية المشددة التي يصل في بعضها عدد العاملين الى عشرات الالوف بصلاحيات اجرامية بحتة! وحينها بادر بالتأييد مستنكرا ذلك الفعل المشين!.
ذكر ان عائلته سياسية بالاساس كون والده رئيس وزراء سابق،ولكنه بالرغم من ذلك ترك السياسة بعد فترتين انتخابيتين في بداية عقده الخامس الذي يعتبر مبكرا في عرف الزعماء العرب! بل تحديدا في نفس عمر الطاغية المخلوع حسني مبارك عندما تولى الحكم عام 1981!...وقد نفى لي اي ميل لدى ابنائه نحو السياسة او توريثها مما يدل على فقدان جاذبية العمل فيها نظرا لمحدودية الامتيازات والصلاحيات او لكونها مهنة المتاعب المهلكة التي تستهلك الوقت والجهد!...
وبالتأكيد فأن ذلك الحديث يجب ان يتبعه بعد ذلك بحثا موسعا في الانترنت للمزيد من المعرفة بغية استقصاء الدروس والعبر،وقد تأكدت من تلك المعلومات وغيرها بصورة اكثر تفصيلا .
الحديث بالرغم من اختصاره لم يبتعد عن ذكر الاحداث الجارية في العالم العربي وبالتأكيد ابدى تأييده لثورات الشعوب الراغبة في التحرر من الاستبداد والعبودية وتمنى زيارة سوريا لوجود قبر جده الذي قتل في الحرب العالمية الثانية الا ان تدهور الاوضاع الامنية هناك يمنع ذلك الان!.
ذكرني اللقاء بحديث مغترب لبناني التقى قبل عقدين بزعيم المعارضة الذي كان حريصا على المال العام لدرجة كتابة مبلغ بضعة دولارات في شيك بدون زيادة سنتات للتقريب!...وفي الحقيقة ان الحكومة والمعارضة تراقبان تصرفات كل جهة لاسباب متعددة في النظم الديمقراطية بالرغم من ظهور حالات شاذة.
تلك المصادفات البسيطة نتمنى حدوثها في العالم العربي من خلال رؤية زعماء متقاعدون سابقون بدلا من ارسالهم للقبر او المنفى مجبرين او لعنهم ورميهم في مزابل التاريخ بسبب رفضهم المطلق ترك المنصب او عدم الالتزام بشروط الوطنية واخلاقياتها من خلال الابتعاد عن هدر المال العام والعبث بأرواح المواطنين وكرامتهم وحقوقهم!...اكيد تلك الامنيات وغيرها سوف تتحقق في المستقبل بعد الالتزام بالشروط الموضوعية للحكم الشرعي والقانوني اما الان فنحن في مرحلة تاريخية حرجة ومختلفة تجاوزها الغرب على سبيل المثال منذ قرن تقريبا...وبالرغم من الخسائر الفادحة الا ان تجاوز تلك المرحلة الحرجة لا يكون الا ببذل اقصى الجهود مهما كانت الخسائر المؤقتة، ففي نهاية النفق المظلم لابد ان يكون هنالك نورا يستمتع الجميع برؤيته!.