مذكرات من بيت الاغتراب 3:
حياتنا اليومية مليئة بالغرائب والعجائب وايضا بالامور الروتينية التي اعتدنا عليها وتطبعت حياتنا المعاصرة بها!...
كلما نميل الى الشك في ان العالم يتجه نحو المزيد من الحريات والامن والسلام...كلما نبتعد عن هذا الشك بأتجاه الاخر عندما تظهر الملامح المساعدة!...ونصادف في طريقنا من الاتجاهين،ولكن الامور في تقديري البسيط انها تميل نحو الامام بالرغم من بعض المآسي التي تحدث بين الحين والاخر...وقد نصادف من يعيد لنا الامل والبسمة في هذا العالم الذي اعتدنا على رؤية اضطرابه المستمر منذ قديم الزمان دون ان تهدأ ثوراته وحروبه ونزاعاته وكأنها خصال دائمية له!...
حوار مع امرأة مدهشة!
دار حوار سريع ( 25/2/2011) مع امرأة في بداية الاربعينات من العمر وتظهر عليها ملامح الانسانة البسيطة والغير مهتمة بمظهرها وبيدها كتاب سرعان ما بدأت حديثها المؤثر حول معاناة اختها المريضة المتوقع وفاتها بمرض خبيث...
ظهر من الحوار انها امرأة تملك متجرا لبيع الكتب في مركز المدينة... وعندما سألتها عن سوق الكتب الحالي خاصة بعد الاعلان عن افلاس اكبر شركتين في استراليا لطباعة وبيع الكتب...قالت ان السوق تأثر كثيرا وضعف الاقبال على شراء الكتب بعد ظهور الانترنت وبقية وسائل الاعلام الاخرى مع الانشغال بأمور الحياة الاخرى التي تعقدت بفعل المستحدثات اليومية ولذلك فأنها تعاني كثيرا في البقاء صامدة وتحاول الان الدراسة مرة اخرى للاتجاه الى مهنة اخرى تبعدها عن هذه المهنة التي احبتها كثيرا!... وعندما اخبرتها ان استراليا مثل اغلب دول الغرب مازالت متقدمة في عادة القراءة كما ونوعا، والتعليم والتشجيع منذ الصغر يخدمان الغرض ذاته،فكيف يحدث هذا الركود؟...فأجابت ان اسعار الكتب مرتفعة نوعا ما بالرغم من طباعة البعض في الصين وان تكاليف المعيشة المرتفعة ايضا تؤثر سلبا وكذلك فأن القراءة عبر الانترنت او بيع الكتب عن طريقه ساعد على هذا الركود، كما وان الحياة كلما زادت تعقيداتها كلما قل الاتجاه نحو القراءة التي تحتاج الى فسحة من الوقت مع الراحة النفسية والهدوء...وعندما تسائلت لماذا لا تفتح متجرا في الضواحي لان الايجارات اقل وكذلك تحاول بيع القرطاسية والصحف او بعض قطع الكومبيوتر او حتى كتب بلغات اخرى في المتجر، لعل ذلك يساعدها على البقاء في هذه المهنة الرفيعة المستوى وتستطيع تغطية التكاليف... اجابت بأن الفكرة جيدة ومحتمل ان تطبق بعضا منها ماعدا الانتقال الى الضواحي لان الزبائن عادة يتواجدون في مركز المدينة!...وعندما اخبرتها انه من المفروض على الحكومة ان تدعم صناعة الكتب وبيعها مثل الدول الاشتراكية السابقة...اجابت ان الحكومة بالفعل تدعم تلك الصناعة ولكن الخسائر مستمرة وبتكاليف عالية وحينها يصبح الدعم عقيم التأثير!.
ثم تطرق الحديث الى نوعية القراءة فقالت ان الرجال مازالوا يميلون الى الكتب الاكثر تعقيدا من قبيل الفلسفة والسياسة والاقتصاد والادارة بينما الاناث تفضل الادب بمختلف انواعه مع الكتب الطبية او كتب الاسرة الخ...
مدمنة قراءة!
الحديث تطرق بالتأكيد الى قراءاتها المختلفة...وعندما سألتها كم عدد الكتب تقريبا التي قرأتها في حياتها لعلمي ان الشائع الان هو قلة القراءة وبالتالي من السهولة اعطاء رقما بسيطا...اجابت وبثقة عالية انها تقرأ كل اسبوع ستة كتب كاملة في مختلف المعارف منذ ان كان عمرها 12 عام!!...اصبت بالدهشة بالطبع حتى انني كررت السؤال مرة اخرى! فأكدت ذلك لانها عادة لا ترى التلفاز الا نادر كما انها لا تحب القراءة عبر الانترنت ومهنتها ايضا تساعد على الاطلاع على مختلف انواع الكتب!...حينها قلت ان ذلك امرا عجيبا بالفعل لان هذا الرقم كبير الى درجة يصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة حتى عند اغلب مدمني القراءة،وتمنيت ان اصل الى هذا العدد النادر حدوثه!...
ذكرت امامها كيف ان بعض الناس يتباحثون ويتناقشون في مختلف الامور الدينية والسياسية والاقتصادية بل وحتى الثقافية دون ان يقرأوا كتابا منذ بضعة عقود من الزمن! وهو من مآسي هذا الزمان!.
ثم تحدثت عن سفراتها لبعض دول الشرق الاوسط وبخاصة ذات الحضارات القديمة التي تميل لها عادة بفعل مؤثراتها الثقافية وقد اعجبت بالسودان وطيبة اهله كما توقعت ذلك قوله منها!ثم اردفت برغبتها في زيارة ايران ومعرفة حضارتها وتراثها وقد جاءت رغبتها من خلال معرفتها لبعض الايرانيين في الامارات التي لم تعجبها دبي او ابو ظبي عندما سالتها عنهما لانها حسب رأيها، مدن حديثة الطراز ترتكز فيها الصناعة والتجارة وليست قريبة من التراث والثقافات المتعددة الاتجاه! وهو رأي قرأته سابقا لبعض كتاب ومثقفي الغرب الزائرين...
قراءة الكتب هي الولوج الى عالم قائم بحد ذاته ومن صفاته انه ذو ابعاد متعددة... وهو وسيلة لبناء الانسان وتكوينه وفق متسعات معرفية والسمو بعقله وروحه الى اعلى المراتب السامية التي تجعله قادرا على اعطاء تفاسير لمعاني وجوده في الحياة ومكانته ضمن هذا العالم الفسيح...بل وتنقذه من التيهان في بحار الجهل والتخلف والعيش ضمن سقف يومه الحالي دون ان تبدو لديه ملامح تغيير الواقع نحو الافضل، ولذلك نلاحظ ان اكثر الامم تعلما وتثقيفا هي اكثرها تقدما وبعدا عن المشاكل القديمة التي مازالت تعاني منها اغلب بلاد العالم الثالث!.
صحيح انه من الناحية العددية قد ازداد عدد المتعلمين في العالم ولكن من الناحية الاخرى قد قل مستواهم الثقافي الى درجة مروعة تحتاج بصورة مستعجلة الى بحوث ودراسات عديدة بغية الوصول الى ادق النتائج لتطبيقها على الواقع لتغييره نحو الافضل.
لا شك في ان تلك المرأة هي نموذجا مثاليا متواجد بين اظهرنا وقد لا نلمحه! وهي خير مثال على قدرة المرأة العالية في الوصول الى اعلى المراتب التي وصلها الرجل مع المحافظة على خصوصية الانوثة وعالمها البديع ضمن عالم يوزع الادوار!...