الدوافع الذاتية للالحاد:3
تصنيف الدوافع الرئيسية:
نظرا لاختلاف وتنوع الدوافع الذاتية التي تدفع صاحبها لاعتناق الالحاد كعقيدة جديدة،فأنه يمكن تصنيف الدوافع الى تقسيمات رئيسية ومن الممكن ان تصنف الى فرعية وكل دافع جديد يمكن ان يصنف بتصنيف جديد ايضا!...والتقسيمات الرئيسية هي:
اولا:الدوافع الدينية.
ثانيا: الدوافع الاجتماعية.
ثالثا:الدوافع الاخلاقية.
رابعا:الدوافع الاقتصادية.
خامسا:الدوافع الثقافية.
سادسا:دوافع السيادة الزمنية:
ان مجموع تلك الدوافع تشكل مايسمى بالدوافع الذاتية لكل فرد والتي تدفعه الى عمل شيئا ما او الدخول في عقيدة او فكر ما،ويطغى احيانا دافعا واحدا على بقية تلك الدوافع ولكن لا ينبغي تجاهل كل العوامل اذا ساد هذا العامل في اختيار الالحاد وهو عليه مدار الحديث هنا كونه قد طغى في فترة ما على حقب تاريخية طويلة،ومازال يخضع له ملايين البشر وفق اسباب مختلفة!.
وكل عامل من تلك العوامل يحتاج الى مجلدات ضخمة وتفصيلية مدعمة بتوثيق تاريخي او علمي يساند الرأي الخاص به،وسوف نستعرضه هنا مختصرا.
اولا:الدوافع الدينية: قد تكون حالة غريبة بلا شك ان الاديان هي دافعة قوية نحو الحادهم حسب الادعاء الشائع للملحدين! بدلا من ان تكون دافعة قوية للايمان وتثبيته في النفوس...
لا يوجد شيء اقدم من الدين مع وجود الانسان في هذا الكون،وهي حقيقة ثابتة لا يمكن نكرانها او حتى تجاهلها!...والدين مازال هو الوسيلة الاولى للراحة النفسية كلما تعرض الانسان لازمة ما وله القدرة الكبرى على ترويض الانسان لكي يكون مثاليا مع نفسه ومع المجتمع بشرط الالتزام بثوابته ونواهيه.
اذا تركنا ذكر الاديان الوضعية لكونها اضعف بكثير من قدرة الاديان السماوية الثلاثة الروحية والتنظيمية،مع الانتباه الى انها ايضا تسببت في ترك الكثيرين من اتباعها لدياناتهم الوضعية من خلال التضارب بين النصوص والواجبات والاحكام التي تكون احيانا مخالفة للعقل والواقع الانساني او التطور الحاصل فيه لكون الغالبية الساحقة من تلك الاديان هي قديمة العهد وقد تحمل بصمات الماضي وآثاره في تركيبتها والفلسفة الناشئة منها وبخاصة ضعفها التنظيمي لامور الحياة العامة مع شمولها بالعبادات المثيرة للانتباه والمخالفة للعقل والمنطق كعبادة الاصنام او الحيوانات!.
ولكننا بالتأكيد نركز على الاديان السماوية والمذاهب المتفرعة منها،لكونها الاقوى روحيا ومصدرها واحد ولكون مؤسسيها هم انبياء متفق عليهم وهم مدعومون بالوحي الالهي المقدس ولامتلاكها العدد الاكبر من الاتباع.
الدين اليهودي هو الاقدم الا انه محصور ضمن طائفة مغلقة وبالرغم من كونها مضطهدة في حقب تاريخية طويلة،الا انه ذلك لم يمنع سواء الان او في الماضي من ترك الكثيرين من اتباعها للديانة اليهودية وتبني الالحاد كوسيلة ومنهج ثابت في الحياة،وهنالك اسباب عديدة يراها الملحدون وبخاصة اليهود مبررة لترك دينهم من ابرزها الادعاء بأن اليهود شعب الله المختار وكون التاريخ اليهودي حافلا بالكثير من القضايا التي تخالف التوجه الالحادي وبخاصة تعاملهم مع الاخرين او وجود جرائم ترتكب بأسم الدين من قبل الاتباع وكذلك تضمن الكثير من الخرافات والاساطير في الكتب الدينية الخاصة بهم، وامامنا سلسلة طويلة من المشاهير اليهود في الغرب من الملحدين وبالرغم من الخطأ الشائع في الكثير من الدراسات العربية التي تتناولهم بالنقد الشديد وبخاصة لمناهجهم العلمية والادبية ومتبنياتهم السياسية من خلال ربطهم باليهودية! الا ان ذلك هو اهمال كبير لتأثير الالحاد على طبائع ونتاجات هؤلاء ومن هنا علينا ربطهم بالدافع الاساسي المسير لهم وهو الالحاد وليس الدين اليهودي...نعم هنالك الكثيرين من اليهود الذين يمتازون بقرب شديد من الطبائع او التشابه في طبيعة الانتاج العلمي والادبي مع هؤلاء الملحدين وبالتالي ادى الى الربط بين الجميع تحت ستار اليهودية او الحذر منها الى ضعف في الدقة المفروضة في ظهور تلك الاشكالية الواضحة!.
الملاحظ في الحاد الكثيرين من اليهود انهم من المقيمين في الغرب! وليسوا من الشرق،وبمعنى ادق ان غالبية الملحدين اليهود هم غربيون وحاملون للجنسيات الغربية اكثر من اليهود الشرقيين وبخاصة الذين كانوا مقيمين في العالم الاسلامي وهم عادة اكثر تمسكا بديانتهم وبتقاليدهم وبتراثهم الطويل من غيرهم،كما انهم الاكثر قربا للنسل اليهودي المتواصل من البقية وبخاصة المدعين للانتماء اليهودي...هذا دليل على ان للبيئة الغربية تأثيرها الشديد على الانسان المقيم فيها،كما للبيئة الشرقية تأثيرها الشديد المعروف بالتمسك بالدين وبالتقاليد وبقيم الاسرة الخ... وبالتأكيد هنالك شواذ لتلك القاعدة ولكن دائما يتم التركيز على السائد! وقد نرى ميل بعض هؤلاء الملحدين لاسرائيل ولكن ذلك طبيعي سواء من تأثير الرابطة العائلية والمشترك من الموروثات الاخرى بالاضافة الى الشائع في الغرب عن صورة اسرائيل الديمقراطية وكون بلاد العرب ديكتاتوريات وهي التي تنفر الملحدين وبخاصة الداعين الى الحرية اللامحدودة في نظام الحياة العصرية وطبيعة العلاقات الناتجة منها!.
لا توجد احصائيات دقيقة عن الملحدين من الاصول اليهودية ولكن نسبتهم العددية هي كبيرة لقلة عدد الطائفة اليهودية في العالم كما ان تأثيرهم بالمقارنة مع عددهم يفوق بكثير تأثير الملحدين من ذو الاصول الاخرى!...وبالرغم من وجود صراع او رفض للملحدين عند اليهود الا انه ليس بالصورة الاكثر تشددا لدى المسلمين بسبب طبيعة البيئة التي يقيم فيها هؤلاء مع اقل تشددا في التعامل معهم حسب التقاليد المتوارثة.
الدين السماوي الثاني وهو الدين المسيحي وهو يتفرع الى فرق ومذاهب عديدة قد تختلف في الاصول والفروع...واتباع الدين المسيحي منتشرون في كل بقاع الارض تقريبا وبالرغم من كونهم الاكثر عددا الا ان نسبتهم العددية في تناقص مستمر بسبب ضئالة النمو السكاني وترك المسيحية عددا كبيرا من اتباعها بأتجاه الالحاد او الاديان الاخرى...
الالحاد قديم عند المسيحيين بالولادة،وهو شائع الان في اوروبا التي هي القارة المسيحية الاولى حتى اصبحت بعض بلدانه الحادية اكثر من كونها مسيحية تبعا للنسبة العددية!.
كانت الاسباب العقائدية هي من جملة المسببات التي دعت الى الالحاد عند عدد كبير من اتباعها...فبداية كانت اقرار المسيح(ع) بأنه الرب عند غالبية الكنائس يعتبر من الاسباب الرئيسية التي يتساؤلون عن الحكمة في ذلك؟! وبما ان الملحد يرفض وجود الاله كقوة غيبية فكيف يقبل بوجود انسان أله على وجه الارض ؟!...كان ضعف الادلة على الاثبات وعدم القدرة على رد الاسئلة المطروحة التي اثارها مشاهير الالحاد حسب رأيهم هي من الاسباب الرئيسية في تركهم للدين المسيحي من قبيل ان للرب اسبابه في خلقه الكون او العجز عن الجواب كيف خلق الله سبحانه الخ من الاسئلة العقائدية التي طرحت منذ زمن بعيد وتناولها العلماء والفلاسفة بالبحث والتدقيق وصولا الى البرهان وفق الادلة العقلية والنقلية مع تواتر الكثير من النصوص المذكورة في الكتب المقدسة لديهم والتي فيها اختلافات كبيرة تسبب انتباه من يبحث عن وحدة الاجوبة ودقتها بدلا من التناقضات والاختلافات التي تلفها! او اثبات المعتقدات على القوانين والنظريات الطبيعية القديمة والتي ثبت خطأها خلال عصر النهضة،فكانت حرب الكنيسة الوحشية على العلماء الذين اثبتوا فرضيات مثل حركة الارض ودورانها حول الشمس ودوران القمر وقوانين الجاذبية وتطور المخلوقات حسب نظرية دارون في اصل الانواع الخ من القوانين والنظريات العلمية الجديدة التي تميزت بدقتها وسهولة فهمها.
كما ان رفض الكنيسة الكاثوليكية مثلا للطلاق والزواج مرة اخرى حتى لاسباب وجيهة مثل المرض او الخيانة الزوجية او الحرية في العيش والاختيار بالاضافة الى رفض الاجهاض الذي يعتبرونه حقا مشروعا لا يمكن فصله عن حق الانسان العام!.
كما انهم يرفضون الحجة الاخلاقية التي يعتقد بها المسيحيون في التمييز بين الخير والشر،او ان وجود الرب كافي لتحقيق العدالة الارضية بالرغم من وجود وطغيان الظلم في العالم.
كانت شخصية المسيح(ع) مثار جدل واسع لديهم،فهم يرونه متناقضا في غالبية تعاليمه التي جاءت في الاسفار المكتوبة والتزامه بالعقاب الاخروي الذي يعتبر وسيلة غير عقلانية للعقاب لدى الملحد،ويميزون بين الجانب الاخلاقي لديه ولدى اخرون سابقون له مثل بوذا او سقراط وبقية المصلحين في التاريخ الذين كانوا اقل من ناحية التناقضات واكثر عقلانية وروحانية منه مع تفوقهم الفكري عليه حسب ماجاء في التراث المذكور عن هؤلاء...وفي الحقيقة لا يمكن الوثوق بدقة تلك الاراء حتى من الناحية التاريخية هذا مع ان المسيح(ع) كان صاحب رسالة سامية تركت بصماتها على العصور التي تلته بشكل يفوق بكثير ما ذكر عن هؤلاء الذين بالرغم من ضخامة نتاجاتهم الفكرية الا ان اعدائهم وحجم المعتقدات والافكار التي يحملونها كانت اقل بشكل واضح منه مما يعني ان التناقضات ضمنها سوف تكون قليلة!...كما ان طرحه الحب والسلام بين البشر وعدم الرد على الصفعة وكونه يمسح خطايا الاخرين مهما كانت افعالهم يتناقض مع اقوال اخرى متداولة في كتب مقدسة ومتعددة،مع رفض للكثير من الاحكام والاراء التي ذكرت على لسانه او تداولها المسيحيون الاوائل، ويقارنون عادة بين الافكار المسيحية الاولى والافكار الحالية الشائعة من خلال استعراض التناقضات التي تولدت خلال التاريخ الطويل.