مذكرات من بيت الاغتراب 15:
تصدير النزاعات!
اصبح من المستحيل منع الاتصال او
التفاعل مع الاحداث العالمية وبخاصة في عصر العولمة وتعقيداته التكنولوجية
المتجددة بسرعة فائقة يصعب غالبا على المرء ادراكها!...هذا يعني انه يؤدي الى
انتقال المؤثرات الفكرية والسلوكية الى مناطق اخرى وحسب وجود المشتركات المتنوعة وشدة
قوتها التي تؤثر في العادة في سلوك وتفكير الفرد والجماعة،واكيد من ضمن تلك
المؤثرات هي النزاعات السياسية وبخاصة المسلحة منها بينما يقل عامل التأثير الفكري لعدم
قدرة الاغلبية على تدارك اسراره ومفاهيمه التي تحتاج الى مقدرة خاصة!.
الصراعات الدينية والمذهبية
والعرقية في الشرق الاوسط هي مثال نموذجي لتصدير المادة الخام من النزاعات واعادة
تكريرها بطريقة تناسب الوجود المهجري الذي يخرج التفاعل عن دائرة السيطرة وتتحكم
به الاهواء والرغبات التي يصل البعض منها الى الدرجة البهيمية في سلم التطور
الحيواني! والتي قد تخالف المناهج السائدة في دول المهجر التي تحرص على السلم
الاهلي لانه من اساسيات التطور وبسبب احتوائها على عدد كبير من الجاليات من شتى انحاء
العالم وعليه فأن ترك الامور بدون ضبط سوف يؤدي الى انهيار امني مكلف للجميع بطبيعة
الحال.
أثر الصراع في سوريا:
اعترفت الشرطة الاسترالية بأن اتساع
دائرة النزاع الدموي الدائر في سوريا بين حكومة البعث واطراف المعارضة المتعددة
المشارب قد انتقل بصورة طبيعية الى الجالية السورية بالدرجة الاولى ومن ثم الجالية
اللبنانية لكونها الاكثر قربا للاحداث الدائرة هناك،وبطبيعة الحال فأن ذلك مقارب
في دول غربية اخرى وبحسب كثافة تواجد الجاليتين اضافة الى البعد الجغرافي والثقافي...
الخ من العوامل المؤثرة في العادة والتي لا ينبغي التقليل من اهميتها!.
اما نتائج انتقال اثر الصراع فقد
ظهر واضحا وجليا في التعدي الصارخ على بعض المؤسسات الدينية والاجتماعية للعلويين من
سوريا ولبنان ومحاولة تدميرها على يد بعض افراد الجماعات السنية المتطرفة ذات
الكثافة العددية والنفوذ الاكبر،واخذ الامر تطورا أكبر بحسب الشرطة في التهديد
بالقتل أو ضرب المخالفين لتلك الجماعات،مما يعني ضرورة تدخل الشرطة في الامر لحفظ
الامن ومعاقبة المعتدين ولو لفظيا،بالرغم من ان اغلب الحالات غير مسجلة حتى الان لكون
ان البعض لا يهتم او يسعى للشكوى لسبب او لاخر!...هذا الامر محزن بحق في كون
الحالة المآساوية تتوسع لتشمل الجاليات المهاجرة مما يؤدي الى تكوين صورة مشوهة في
العقل الجمعي الغربي حول طبيعة المجتمعات في العالم العربي وسيادة منطق العنف
ورغبة البعض منها في ابادة الاخر دون ادنى اكتراث للمشتركات التي لا تعد ولا تحصى!.
الاختلاف في وجهات النظر حول
طبيعة الصراع الدائر في سوريا او غيرها من البلاد الاخرى ينبغي ان يبقى ضمن حدود
وضوابط دول المهجر التي هي اساسا مشتركة في الصراعات بدرجة او اخرى،وأي عملية توسيع لدائرة الصراع سوف
ينعكس سلبيا على الجميع،وعليه فأن الامر الاكثر اهمية
ينبغي ان يكون في التفكير في اعادة اللحمة الوطنية الى طبيعتها الاولى المستندة
على قواعد العيش المشترك ورفض اي عملية تمزيق لها سواء من قبل النظام الديكتاتوري
الفاسد او بعض جماعات المعارضة التكفيرية المسلحة التي ازداد نفوذها بحكم التشدد
الحكومي في محاربة الثورة السلمية في بداية انطلاقها!.
ان عملية التغيير الحقيقي في
بناء مجتمع جديد مستند على قاعدة العيش المشترك والعدالة الاجتماعية وتقديس
الحريات يجب ان يبدأ من المهجر بسبب ان العيش في المغتربات يؤدي
الى استيعاب مناهجه وقيمه المستندة على اسس الحضارة الغربية التي لا تختلف مع
الطبيعة القيمية والمادية للشعوب الاخرى، ومحاولة نقل التجربة الناجحة الى الوطن
الام بغية اعادة بناءه وفق اسس سليمة بدلا من نقل التجارب الدموية المستندة على
الاحقاد والفتن والتعصب ورفض الاخر
وتكفيره والحط من قدره،فالثورة الحقيقية هي التي تؤدي
الغرض المنشود منها لجميع ابناء شعبها وليس لفئة معينة دون اخرى...!.