المفكرة الثقافية:2
التقهقر الى الوراء
بعد سيطرة شبه تامة من قبل السلطة على وسائل الاعلام المرئية والمطبوعة في العالم العربي بعد الاستقلال الشكلي وتحويلها الى اداة مسخ وجلد بدلا من التنوير والتثوير،ادت في النهاية الى تدهور الثقافة والمعارف بصورة اجمالية والتي نشاهد آثارها المروعة والتي تستدعي عقود لازالتها!...وبالرغم من ذلك فأننا نرى بعض الاستثناءات القليلة من قبيل تمتع مجلة العربي بهامش كبير من الحرية منذ انطلاقتها عام 1958 مع الدعم المالي الكبير والذي ساهم في أصدارها بحلة فنية عالية المستوى وانفتاح نسبي اكبر على العالم العربي وساعد ايضا التعطش المعرفي المواكب للصراعات السياسية والاجتماعية الى وصولها بسرعة الى مرحلة الربع مليون نسخة اوائل السبعينيات عندما كان عدد متحدثي العربية لا يزيدون عن 120 مليون بينما الحال الان يدل على تردي ليس فقط على مستوى المجلة بل وعلى المستوى المعرفي العربي ككل لان العدد المطبوع بقي ضمن هذا الرقم مع تضاعف عدد السكان الى ثلاث اضعاف! مما يؤشر عن انتشار جهل ثقافي بالرغم من انخفاض نسبة الامية الابجدية!.
بعد انكسار القيود الرقابية بسبب الثورة التكنولوجية الحديثة وكثرة الاصدارات وتنوعها،فأن وضع مجلة العربي لم يتغير بل استمر على نفس الوتيرة من الانخفاض في المستوى والمكانة والتي رافقتها منذ عقد الثمانينات بل اصبحت اكثر تبعية لسياسة المكان الصادرة منه بطريقة تبين أثر الخروج من الحيادية النسبية التي درجت عليها خلال العقدين الاولين من اصدارها والتي افتخرت بها!.
في العدد 636 الصادر في تشرين ثاني(نوفمبر)2011 تم عرض كتاب الطاغية ضمن استعراض الكتب الصادرة حديثا مع العلم ان الكتاب قديم(صادر عام 1993)وتمت عرضه في نفس المجلة وغيرها ولم يكن هذا الكتاب الاوحد ضمن صنفه المعرفي حتى يحتاج الى هذا التكرار بل هنالك كتب كثيرة ضمن نفس التصنيف سواء اكانت صادرة قبله ام بعده وتحتاج الى استعراض بالرغم من ان المرحلة الراهنة تبرر اللجوء الى تلك النوعية من الكتب لمحاولة البحث في تفسير احداث العالم العربي المضطربة!.
كتاب الطاغية قيم بلا شك ولكن يبقى صدوره ضمن مرحلة لا تسمح بالتعبير الخارج عن المألوف لان المؤلف لم يخرج من دول يشملها الاستبداد السياسي الراهن حتى يتحرر نهائيا من سطوتها ومن هنا فأن الامثلة التوضيحية بقيت منحصرة ضمن نطاق ضيق وقديم!.
المثال الاخر الاسوأ هو في العدد التالي اي العدد637 حيث نشرت مقالا ينحصر ضمن فئة مقالات النفاق والتزلف السياسي لاحد مثقفي السلطة وهو محمد جابر الانصاري حول بلده البحرين في ظل ما يسميه المشروع الاصلاحي المعروف للجميع انعدام وجوده!.
المقال المعبر عن كاتبه وايضا عن المجلة في الظاهر والتي لا تخرج عن طاعة مموليها المؤيدين للافكار الصادرة فيه،نشرت ضمنه صورتي حاكمي البحرين الحالي والسابق وهو خروج مروع للتقاليد الرصينة واللياقة الادبية التي تفترض الحيادية التي تستدعي السماح للراي الاخر والمرفوضة اصلا في تلك المواقف لانها تدل على عدم احترام وتقدير لشعب البحرين الثائر ولشهدائه الذين لم تجف دمائهم الطاهرة بعد وهم يصارعون الطغيان والتدخل الخارجي!.
الدخول ضمن جانب السلطة في صراعها مع الشعب في اي من البلاد المستعبدة هو امر مرفوض وفق كافة المقاييس ولا يمكن تبريره ضمن اي سياق خاصة وان المرحلة الحالية تختلف عن الماضي الذي يتميز بضعف صوت الشعوب المسلوبة! فما بالك في وصف مجلة تدعي الرصانة والحيادية وتطبع بربع مليون نسخة ثابتة لا تتغير وهي تخالف التوجه السائد!.
قلة كتاب ام استنفاذ افكار!
في العدد نفسه اي 637 مقال لجابر عصفور تحت باب اوراق ادبية وهو غير مناسب لانه اقرب للسيرة الذاتية الادبية التي وضعت بعض مقالاته السابقة تحت بندها،الغريب في هذا المقال ان اغلب التفاصيل الواردة فيه هي مذكورة ضمن ثلاث مقالات سابقة له في نفس المجلة في عام 2006 والمتضمنة سفره الى امريكا للعمل في احدى جامعاتها!!...فهل نضبت الافكار لديه حتى يكرر ما ذكره في مقالاته السابقة؟! ثم الادهى من ذلك هل ادارة المجلة عمياء الى درجة عدم تذكر تفاصيل المقالات السابقة او تجاهلت وجود الكثير من الكتاب الذين لديهم ابداعات كثيرة تستحق النشر؟!...ان الامر غريب حقا! فأذا كان القراء يصححون الاخطاء فيها في كل عدد كما هو منشور في الصفحات الاخيرة فهل وصل الامر الى تكرار النصوص والافكار خلال فترة قصيرة من كاتب واحد يحتكر النشر في المجلة؟!.
مازال المبدعين في العالم العربي محرومون من حقوقهم المشروعة والتي من اهمها هي حق النشر،ومن حسن الحظ وجود شبكة الانترنت التي كسرت القيود المتعددة والتي من اهمها الاحتكار والمنع والحدود وحطمت الرقابة الهزلية!...