إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/06/28

ثروة الارض -الحلقة الثالثة

ثروة الارض -الحلقة الثالثة
ثروة الارض -الحلقة الثالثة
يشترط في الانتاج ان يكون ضمن حدود الجدوى الاقتصادية،اي ان العوائد المادية يجب ان تكون اعلى من تكاليف الانتاج والتصنيع،وكلما كان الفارق عاليا كلما ازدادت الرغبة الانتاجية والعكس صحيح ايضا،والرابطة بين الانتاج والعائد ليست طردية او عكسية بالمعنى الدقيق ولكنهما يلتقيان في نقطة حرجة تتساوى فيها التكاليف والعوائد ثم يبدأ العد التنازلي عندها يصبح الانتاج مسببا لخسائر يمكن الاستغناء عنها اذا توفرت مصادر اخرى ارخص ولذلك نرى ان البضائع الصينية قد سادت العالم عندما نافست البضائع المحلية في عقر دارها وبالطبع سوف لن يستمر الرخص الى مالانهاية كما حدث سابقا مع المنتجات اليابانية ومن ثم الكورية والسنغافورية وبقية النمور الاسيوية التي سبقت الصين بالانتاج الرخيص!...من هذا المنطلق يمكن القول ان العائد الاعلى يكون سببا في تأخير استثمار الكثير من المناطق الجديدة او الاقل عائدية لان الدول والشركات الخاصة تبحث عن الارخص والاسهل والاكثر عائدية في انتاج الثروات الطبيعية،ولذلك نرى ان الانتاج يبدأ غالبا في مناطق يسهل على المنتجون الوصول اليها او بأستخدام وسائل تكنولوجية اسهل وعندما يبدأ الانتاج في التضاؤل نتيجة نفاذ الاحتياطيات تبرز الحاجة هنا الى البحث عن مناطق جديدة قد تكون اكثر ثراءا من الاولى ولكن التأخير في الوصول اليها يعود لتوفر الانتاج في مناطق مكتشفة سابقا،مما يعني ان الخسارة سوف تنشأ اذا تمت عملية البحث في ظل توفر الاحتياطيات الكاملة التي تفيض عن الحاجة لفترة طويلة...وهنالك نقطة هامة ينبغي التأكيد عليها وهي ان البحث والتنقيب ومن ثم الانتاج والنقل...هي امور مكلفة جدا وبالتالي ليس من السهولة انفاق اموال هائلة في البحث عن مصادر متوفرة بالفعل وقد تكون خارجية،ولذلك فأننا نرى ان البحث عن الثروات الطبيعية في الدول المتقدمة لم يكن بالجهد المساوي للذي قامت به شركاتها العملاقة في البحث والانتاج في الدول النامية،بل هي تنظر لمسألة الجدوى الاقتصادية ومدى قوة الفائدة بدقة يجعلها تستغني بسهولة عن مصادر مكلفة حتى لو كانت ضمن حدودها الوطنية!...
ويمكن استعراض الكثير من الامثلة النموذجية على ذلك،من قبيل بحر الشمال المقسم بين بريطانيا والنرويج(في حالة اهمال القطاعات الاخرى الاقل اهمية)... فهذا البحر يحتوي قاعه على ثروات طبيعية من ضمنها البترول والغاز الطبيعي،ولم يتم استثماره الا في عقد الستينات ولم يبدأ الانتاج الا في بداية السبعينيات عندما اشتدت الحاجة الى البترول وارتفعت اسعاره بشكل ملحوظ،كذلك فأن الاقتصاد البريطاني كان يمر بمرحلة ركود طويلة يحتاج للخروج منها الى موارد مالية كبيرة وبالتالي اشتدت الحاجة الى انتاج النفط من بحر الشمال،وكلنا يعرف ان البحث عن الموارد النفطية من جانب بريطانيا في مستعمراتها ماوراء البحار كان قبل عملية البحث في بحر الشمال بقرن تقريبا! وكانت منطقة الشرق الاوسط واحدة من تلك المناطق التي بذلت مجهودا للسيطرة عليها بغية الاستفادة من النفط الموجود بالقرب من سطح الارض،بينما احتاجت الى عقود طويلة من الزمن حتى استطاعت تطوير تكنولوجيا قادرة على الوصول الى انتاج النفط بكميات تجارية من اعماق كبيرة مع ارتفاع اسعار النفط التي كانت كفيلة بتغطية تكاليف التنقيب والانتاج والنقل والتكرير،وقد ارتفع الانتاج الباهض التكاليف بشكل كبير بعد عام 1973 عندما ارتفعت اسعار النفط في العالم،واستطاع الغرب من خلال الاستنزاف الكبير للموارد النفطية في بحر الشمال وايضا في الاسكا شمال الولايات المتحدة من تخفيض نسبة مساهمة منظمة الاقطار المصدرة للنفط(اوبك) في السوق العالمية منذ بداية الثمانينات حتى انهار سعر النفط عام 1986 وكانت مساهمة بعض البلدان المصدرة في عملية الانهيار واضحة من خلال المنافسة على الانتاج ضمن سوق عالمية بدأت في تقليص استهلاكها! وعندها اصبح الانتاج من بحر الشمال مكلفا مما ادى الى وصول العائد المادي الى ادنى مستوى له،ولم تجري عملية تخفيض كما هو معروف في مثل تلك الحالات! بل استمر جنون الانتاج حتى تم استنفاذ غالبية احتياطيات بحر الشمال(4 مليار برميل في الجانب البريطاني و10 مليار في الجانب النرويجي الان 2010) وكانت الحالة اكثر سوءا في القسم البريطاني منه الذي وصل الى اعلى مستوى انتاجي له عام 1999 وقارب 2.9 مليون برميل يوميا،وبعدها اخذ الانتاج بالانحدار الشديد حتى وصل الى اقل من نصفه بعد عقد من الزمن،اي 1.4مليون برميل! ولكن ينبغي ملاحظة ان الاقتصاد البريطاني استفاد كثيرا بحيث ارتفع متوسط دخل الفرد من حوالي نصف دخل الفرد الامريكي عام 1977 الى اكثر من 80% الان...
للاسباب الانفة الذكر نرى ان الكثير من الدول النامية الفقيرة التي لا تملك الموارد اللازمة للبحث عن مواردها الطبيعية ولا ايضا التكنولوجيا الباهضة الثمن التي قد تساعدها اذا احسنت الاستفادة منها في تنمية اقتصادياتها المتهالكة،تنتظر طويلا حتى تأتي اليها الاستثمارات الاجنبية التي تساعدها على التنقيب والانتاج مع ملاحظة العامل المهم في بناء اي اقتصاد وهو الامن والاستقرار الذي تفتقده غالبية الدول النامية التي تعيش في ظروف غير ملائمة للنمو الاقتصادي السريع الذي يحتاج الى الشفافية كي تساعده على جذب الاستثمارات الاجنبية والمحلية..
من قراءة الوضع العالمي نرى ان بعض الدول قد ساعدها الحظ قليلا في اكتشاف ثرواتها الطبيعية والبعض الاخر بقي جاهلا لما تحتويه ارضه التي يشاع عنها قلة الموارد الطبيعية كما هو الحال في وضع افغانستان...فهذا البلد يقع موقعه الجغرافي في منطقة شبه معزولة مع طبيعة تضاريس قاسية ويصعب الوصول اليها،كذلك هو محروم من نافذة على البحار التي تسهل التجارة الخارجية والاتصال مع الدول الاخرى،بالاضافة الى الواقع الاثني والسياسي المنقسم على الدوام مما ساعد في ابقاء البلاد في وضع مآساوي لا يمكن المغامرة في البحث عن موارد طبيعية في مناطق تصنف انها خطرة وغير مستقرة على الدوام!...ولكن تلك الصورة اذا تغيرت واحتاج العالم الى المزيد من الموارد الطبيعية لتعويض النقص الحاصل في الامدادات مع استقرار الوضع هناك،فأنه بالتأكيد سوف تجذب البلاد للمزيد من الاهتمام الخارجي بثرواتها الطبيعية،والاكتشاف الاخير في حزيران 2010 عن وجود مايقدر بترليون دولار ماهو الا بداية لاكتشاف غالبية الموارد الطبيعية لانه يصعب كثيرا تنقيب كل بقعة من ارض البلاد الشاسعة،وبالتالي فأن الاكتشاف الاخير ماهو الا نتيجة اكتشاف منطقة جغرافية صغيرة يقال بأن الجيولوجيون الافغان وبمعونة الاتحاد السوفييتي السابق قد اكتشفوها منذ ثلاثة عقود ولكن ابقي الامر سرا حتى تستقر اوضاع البلاد لكي يبدأ الانتاج! مما يعني ان ارض البلاد حاوية لثروات خيالية لا يمكن ابدا التنبوء بحجمها...فالاكتشاف الاخير والذي قدر بتريليون واحد،قدره المسؤولين الافغان بحوالي 3 تريليونات،وهذا المبلغ التقديري هو حسب اسعار عام 2010 مما يعني ان قيمة المكتشف والمقدرة الان ب1-3 تريليون دولار سوف تكون بين 3-9 تريليون اذا تم انتاجها على فترات زمنية طويلة من الطبيعي ان ترتفع الاسعار خلاله لتصل الى اضعاف هذا المبلغ الذي سوف ينهض بالبلاد من كبوتها الطويلة ويحول الحياة البائسة لاكثر من 30 مليون نسمة الى مستويات الدول الناهضة حديثا،ولا ينبغي القول ان الارض الافغانية فقط حاوية لتلك الكميات المكتشفة بل ان المستقبل يبشر بأكثر من ذلك مع ظهور تكنولوجيا احدث مع سوق عالمية ضخمة تحتاج دوما الى الموارد الطبيعية،وبالتالي فأن الفرصة مواتية لافغانستان للخروج من دائرة الفقر والتخلف الى التحضر والاعتماد على الذات وتطويرها بدلا من الخضوع لرحمة تقلبات السوق الدولية والاعتماد على مصدر واحد للدخل.

ثروة الارض -الحلقة الثانية

ثروة الارض
ثروة الارض:الحلقة الثانية
ان التطور المستمر في التكنولوجيا،جعلها رخيصة الى حد ما بالرغم من سيطرة بعض البلدان والشركات المتعددة الجنسيات على سوق الانتاج والتصدير العالمية للمعادن،والاحتكار مازال مستمرا ولم ينتهي في عصرنا الحالي فمثلا النيجر وهي دولة افريقية فقيرة تحتوي ارضها على احتياطي كبير من اليورانيوم ولكن الانتاج والتصدير بيد المستعمر السابق وهي فرنسا!! وهي اي النيجر لا تملك منه سوى الواردات المالية الضئيلة! بالرغم من اهمية تلك السلعة في كافة المجالات...بل والاكثر حزنا وألما ان تلك البلاد تعيش حالة المجاعة المستمرة وهي تصنف ضمن اكثر البلاد فقرا في العالم! وهذا ينطبق على بلاد اخرى عديدة وخاصة في القارة الافريقية التي تحتوي ارضها على ثروات معدنية ضخمة ولكنها تحت رحمة الدول المتقدمة وشركاتها العملاقة،واذا ما ارادت دولة ما ان تتحرر من تلك السيطرة ولو من خلال زيادة وارداتها،فأن القلاقل الداخلية التي مصدرها اموال تلك الشركات وبلدانها الاصلية سوف تكون بالمرصاد لكل محاولة! هذا اذا لم يكن هنالك تدخل عسكري مباشر! والتاريخ المعاصر يحمل لنا امثلة عديدة على ذلك النوع من الصراع بين البلاد المنتجة والبلاد المستهلكة التي لا تكتفي بشراء المعادن بسعر رخيص للغاية بل وتحتكر طرق الاكتشاف والانتاج والتصنيع والتصدير والسوق المستهلكة! بحيث لا يبقى لصاحب الثروة سوى الفتات!...ومن الامثلة على ذلك النوع من الصراع هو الانقلاب العسكري في الكونغو الغنية بالمعادن الثمينة ضد لومومبا في الستينات والذي حمل لنا في النهاية ضابط الصف موبوتو الذي تحول الى طاغية ولص شهير لفترة طويلة(1965-1997)،وايضا الانقلاب العسكري المدعوم امريكيا في تشيلي الغنية بالنحاس عام 1973 بقيادة الديكتاتور بينوشيت ضد سلفادور اليندي المنتخب ديمقراطيا!...اذا المصالح الاقتصادية وخاصة في مجال الثروات الطبيعية مؤثر في مجريات السياسة الدولية الى درجة قادر على تغيير المواقف في الاتجاه المعاكس وبدون ذكر امثلة لكثرتها!...
ولكن يبرز امامنا سؤال هام هو لماذا يكثر تواجد الثروات الطبيعية لدى الدول الفقيرة في العالم الثالث ويعاني العالم الغربي نقصا منها؟!...
في الحقيقة ان الاجابة على هذا التساؤل ليس بالكيفية المعتادة بالاثبات او النفي! بل ان هنالك ظروف كثيرة تؤثر على الاجابة بحيث تصبح عملية الاجابة المطلقة بالاثبات او النفي امرا بعيدا عن الواقع!...
ان الارض في اي مكان في العالم، تتواجد فيها الثروات الطبيعية وليست هي محصورة في بلد ما دون اخر ولكن هنالك عوامل عديدة تؤثر على حجم الحيازة لدى الجميع،ومن اهمها هي اتساع المساحة الجغرافية،وهي حالة طبيعية في ان نرى ان الدول الكبيرة تكون غنية بالمصادر الطبيعية بينما تكون الدول الصغيرة الحجم هي اقل في حجم ثرواتها الطبيعية،ولذلك نرى ان الدول الكبيرة الحجم مثل روسيا وامريكا والصين وكندا واستراليا والبرازيل هي من ضمن اغنى البلاد في العالم في المصادر الطبيعية وبخاصة من ناحية تنوعها،ولكن يبقى للعوامل الاخرى اهمية بالغة في اثبات اهمية ذلك الحجم من خلال الحجم السكاني الذي يحتاج الى كميات اكبر بالتأكيد وكذلك مستوى التطور الاقتصادي مع اختلاف حجم الاحتياطي في بعض المصادر الطبيعية دون غيرها،ولذلك تبقى الحاجة مستمرة للمصادر الخارجية واستمرارية التدفق عليها،فأذا حصل اي خطر على الامدادات كما في حالة البترول،فأن تلك البلاد القوية غالبا تكون مستعدة للتدخل في سبيل حفظ مصالحها الاستراتيجية الحيوية،وفي الجهة الاخرى يكون نصيب البلاد الصغيرة من الثروات الطبيعية اقل بالتأكيد من الاولى ولكن هنالك عوامل اخرى يؤثر على حجم تلك الثروات في السوق العالمية،من قبيل الحجم السكاني ومستوى التطور الاقتصادي مع حيازة مصادر طبيعية دون اخرى قد تكتسب صفة هامة لها بفعل الحاجة المستمرة كالبترول والغاز...
ففي حالة بعض الامثلة مثل امريكا وروسيا،فأن البلدان منتجان لغالبية المصادر الطبيعية بشكل يفوق بكثير العديد من البلاد الاخرى المتخصصة في انتاج مادة واحدة!ولكن درجة استهلاكهما للمادة يبقى مؤثرا في بحثهما المستمر عنها لدى الاخر وبخاصة الحصول عليها بسعر رخيص لا يؤثر في الاقتصاد المحلي...فمثلا يجهل الكثيرون ان زعامة الانتاج البترولي منذ انتاجه بشكل تجاري عام 1859 قد انحصر بين البلدين وبخاصة امريكا التي فقدت المركز الاول في عام 1974 ليحل الاتحاد السوفييتي السابق محلها لغاية انهياره عام 1991! وبالرغم من ان امريكا اصبحت مستوردة له منذ الخمسينيات الا ان الاتحاد السوفييتي بقي مصدرا له،ويعود السبب في ضخامة الاستيراد الامريكي الى ضخامة حجم الاستهلاك المحلي الذي شكل لفترات طويلة ثلث الاستهلاك العالمي! بينما لا يتجاوز حجم سكانها 5%!... ومنذ بداية الالفية الثالثة،فأن الاستهلاك الامريكي بقي محافظا على نسبة تتراوح بين 20-25% بسبب اتساع الاستهلاك العالمي في الاسواق الناشئة مثل الصين والهند!.
لو نظرنا الى الخارطة الجغرافية للعالم المتقدم اقتصاديا لوجدنا اغلبية بلدانه هي صغيرة الحجم وفقيرة الموارد الطبيعية مع ضخامة عدد سكانها بالرغم من ان النمو السكاني شبه متوقف منذ عقود طويلة! وقد يعود سبب صغر الحجم حافزا قويا لها على التوسع بأتجاه السيطرة على بلاد اخرى اقل سكاننا واكبر مساحتا،وكذلك على تطوير بلدانها وبخاصة في مجال التصنيع لانه اصبح السبيل الوحيد للبقاء على مستواها العالي في حجم الدخول الفردية والرفاهية الذاتية،ولكن تبقى لنا ملاحظة هامة وهي ان تلك الدول تتغافل غالبا في عملية البحث عن المصادر الطبيعية في بلادها لعدة اسباب،قد يكون من اهمها ان وجود تلك المصادر بكثرة في البلاد الاخرى وبخاصة في البلدان الفقيرة،هو مانع رئيسي للبحث في الداخل الذي يكون مكلفا من الناحية الاقتصادية ليس فقط من ناحية الصعوبات الجغرافية بل ايضا من خلال تكلفة تشغيل العمالة المحلية التي تكون ذات دخول عالية غالبا،مع قيود الحفاظ على البيئة مما يعني ان الاحتياطي المحلي الذي يكون غالبا مجهولا هو بمثابة الاحتياطي الحيوي المستقبلي لتلك المصادر اذا فقدت المصادر الخارجية الرخيصة او نفذت وهنا تصبح الضرورات الملحة واجبة في ضرورة البحث عن المصادر المحلية او المصادر البديلة الطبيعية او المصنعة.  

2010/06/17

ثروة الارض -الحلقة الاولى


ثروة الارض:
اثارت اعلان الاكتشافات المذهلة للثروات المعدنية في النصف الاول من عام 2010 في افغانستان ومن قبلها في فنزويلا،الكثير من التساؤلات حول حجم الامكانيات الضخمة للموارد الطبيعية التي تمتلكها الكرة الارضية والتي مازال الانسان عاجزا عن التوقع في نضوبها كلما اضيفت اكتشافات جديدة، نظرا الى حجم الاستهلاك الهائل الذي يصاحب الحياة المعاصرة ويدعم استمراريتها بأفضل صورة ممكنة...
رغم الاستهلاك الكبير للثروات الطبيعية وبخاصة من جانب الدول المتقدمة اقتصاديا،فأن كافة التوقعات قد فشلت في اعطاء صورة واضحة لما يكون عليه العالم بعد نفاذ تلك الموارد التي ساعدت الانسان على الوصول الى هذا المستوى من التطور الاقتصادي...فرغم وصول حجم التعداد السكاني(حوالي 7 مليار) الى مستويات مخيفة بعض الشيء الا ان الامكانيات الهائلة لكوكبنا الصغير قادرة على استيعاب كافة الاحتياجات الانسانية،بل ان معظم الاراضي والبحار مازالت غير مكتشفة بالرغم من التوقعات المحتملة وغير المحتملة في وجود كافة المعادن وبخاصة موارد الطاقة الرئيسية...
غالبية الدراسات العلمية تذهب الى ان للموارد الطبيعية قدرة محدودة وان طال امد بقائها، ولكنها تعجز عن معرفة مدة بقاءها في الامداد،وقد يكون هنالك بعض الموارد التي لا تنضب فعليا،ولكن مستوى المعرفة العلمية مازال عاجزا عن الوصول الى دقة مطلقة في الاثبات،وهو دليل على ان العجز الانساني في معرفة كافة اسرار الارض هو تام فكيف له التبجح بالادعاء على معرفة اسرار الكون؟!...وهل الكواكب الاخرى خالية من الثروات المعدنية حتى نجزم بعدم القدرة على الاستفادة منها؟!...اكيد الجواب بالنفي المطلق!.
ان الرحمة الالهية قد وضعت في خدمة الانسان موارد طبيعية تفوق المستويات الحالية لقرون عديدة وكل ادعاء عن وصول الانتاج الى الذروة قد ثبت خطأه بطريقة تثير الاستهزاء كلما تم استكشاف موارد معدنية جديدة!....
التكنولوجيا واستهلاك الموارد الطبيعية:
لقد شاعت الكثير من المقولات حول العلاقة الطردية بين مستوى التطور الاقتصادي والاستنزاف الكبير للموارد الطبيعية،وهي عبارة نسبية الصواب! ويعود السبب في ذلك ان التقدم الاقتصادي يحمل معه بالفعل توسع كبير في استهلاك الموارد الطبيعية وبخاصة مصادر الطاقة نظرا لاتساع الاحتياجات المدنية له،ولكن ظهر ان التطور التكنولوجي قد حمل الينا ايضا اتساع معدل دائرة الاكتشافات العلمية التي تجعل استهلاك الطاقة وبقية الموارد الطبيعية يقل كثيرا عن السابق بالقياس الى الوحدة المنتجة حديثا مع القديمة من مادة الاستهلاك الطبيعية،فمثلا ان السيارات الحديثة وهي بالطبع اعلى متانة وقدرة وتقنية من السيارات القديمة ولكن في نفس الوقت اقل استهلاكا للمصادر الطبيعية وبخاصة الوقود،وهذا ينطبق على الكثير من الاشياء الجديدة،من قبيل شيوع استعمال البطاريات الكهربائية التي يتم اعادة شحنها او حتى زيادة قدرتها،وكذلك شيوع التوفير في استهلاك الطاقة للكثير من المنتجات الحديثة بالمقارنة مع نفس المنتجات قبل عقود سابقة من الزمن من قبيل المصابيح الكهربائية الحديثة!...وهذا معناه ان هنالك توفيرا كبيرا قد جرى في استهلاك الموارد الطبيعية وبالتالي اطالة مدة الانتاج للثروات المعدنية على مستوى العالم اجمع...
نعم صاحب ذلك ارتفاع مستوى المعيشة في الكثير من الدول النامية وبالتالي ارتفاع حجم الاستهلاك لتلك المصادر الطبيعية...وهذا صحيح ولكن مستوى التوفير كان كبيرا ويشمل الجميع،هذا بالاضافة الى ان حجم السلع الصناعية التي اصبحت بديلا للمعادن قد ارتفع الى مستويات قياسية واصبحت الجودة هي المقياس وليس نوعية المصدر،ومن الامثلة البسيطة على ذلك مادة المطاط الطبيعي وابدالها بالصناعي او استخدام البلاستيك بدلا من الحديد وغيره في الكثير من المنتجات...
ارتفاع مستوى الاسعار يصاحبه عادة دعوات الترشيد مع البحث عن حلول جذرية للتخلص من الاعتماد على الموارد الطبيعية وبخاصة الاكثر تلوثا!.
وهذا يعتبر احد محاسن ارتفاع الاسعار ولولا ذلك لاستمرت البشرية في الاستهلاك الغير عقلاني للموارد الطبيعية الى مالانهاية،وامامنا مثالا بارزا في حالة النفط بعد ارتفاع اسعاره عام 1973 فقد جرى الترشيد والبحث عن حلول تكنولوجية جديدة لمادة النفط وقد ادى ذلك الى التقليل من مستوى الاستهلاك في بداية الثمانينات مما ادى الى تدهور الاسعار بشكل فظيع بعد عام 1982،وقد سبب ذلك خسائر كبيرة للصناعة النفطية وبخاصة استمرارية الانتاج في الابار المكلفة بالاضافة الى توقف الكثير من خطط الاستكشاف او البحوث التكنولوجية العالية الكلفة،وقد وصلت ذروة الهبوط في عام 1986 مما ادى الى رجوع العادات القديمة نوعا ما في الاستهلاك الكبير دون مراعاة حجم الاحتياطي والبيئة وقد استمرت تلك الحالة مع الاسف لغاية عام 2004 بالرغم من التطور التكنولوجي في تلك الفترة واستمرار البحث عن مصادر للطاقة البديلة ولكن ليس بمستوى السابق! وهذا طبيعي في شيوع عادات الاستهلاك الغير عقلانية كلما توفرت الامكانيات الهائلة في شتى السلع والخدمات بين البشر،ثم يبدأ بعدها المنحنى الانسيابي في التدهور بعد الوصول الى مرحلة الذروة التي لا تبقى بالطبع الى الابد! حتى الوصول الى المراحل الخطرة في الندرة وعندها يبدأ البحث الجاد عن حلول جذرية لحل المشكلات الانسانية بفعل الحافز المؤثر المتمثل في نفاذ ما في اليد!!.


2010/06/14

كأس العالم 2010


كأس العالم 2010:
لا توجد مسابقة رياضية تشغل البشر وتخرجهم من الهموم اليومية سوى دورة الالعاب الاولمبية وكأس العالم لكرة القدم واللذان يقاما كل اربعة اعوام كما هو معروف ولحسن الحظ لا يتفق وقوعهما في عام واحد!...
اقامة البطولة الحالية لكرة القدم في جنوب افريقيا هو طريقة ذكية لاخراج تلك البطولة من شرك وقوعها الدائم لدى الدول المتقدمة وايضا لتشجيع شعوب العالم الثالث وخاصة دول القارة الافريقية على المنافسة بغية رفع المستوى الرياضي فيها...
الشيء المعتاد هو غياب العرب ماعدا الجزائر وهي ايضا ممثلة بفريق ليس له نصيب متوقع في الحصول على مراتب متقدمة ناهيك عن وقوعه في مجموعة قوية!...ولذلك فأن فشل العالم العربي ليس فقط منحصر في المجالات المتعارف عليها بل ايضا هو في المجالات الرياضية التي يمكن للجميع ان يكونوا في مستوى مقارب للدول الاخرى والامثلة عديدة لدول فقيرة في افريقيا وامريكا اللاتينية قد خرجت من سباتها الرياضي بالرغم من تأخرها النسبي في المجال الاقتصادي الذي قد يكون شماعة البعض عليها! وهي برزت في تلك اللعبة الجميلة الساحرة التي تبهر العقول وتريح النفوس من الهموم الحياتية اليومية واستطاعت ان تحرز النتائج الطيبة وان تكون ندا قويا للمحتكرين التقليديين! وهذا التأخر عن الاخرين اصبح سمة سائدة ليس هنالك مجال للخروج منها لماذا؟!...
لانه ليس هنالك من خطط رياضية مستقبلية في العالم العربي!...لانه لو كانت موجودة اصلا لاستطعنا ان نرى نتائجها الطيبة الان بسبب كون تلك البطولة موجودة منذ عقود طويلة وبالتالي فأن النتائج الجيدة غالبا ما تأتي في المجال الرياضي من خلال بناء جيل رياضي متمكن وقادر على المنافسة يحتاج الى فترة زمنية لا تقل على اكثر التقديرات عن جيل(20سنة) وبالتالي فأن اي خطط تطبق الان سوف تكون نتائجها بعد عام 2030!...فأذا اين السياسات الحكومية السابقة او الحالية لتنمية ذلك القطاع الحيوي الذي يتعرض الى الاهمال من جانب المعارضين العلمانيين الداعين الى الاخذ بأسباب التقدم،وايضا من جانب المتعصبين دينيا بدعوى انها بدع وضلالة ومسببة للفساد!...
هذا المتنفس الضيق خنقه بعض العرب للمرة الثانية من خلال شراء وتشفير المباريات بدلا من تركها متاحة للاغلبية الهاربة من همومها! وكأن اصحاب الثروات الضخمة لا توجد لديهم طرق اخرى للاحتكار غير استغلال تلك المباريات الجميلة التي تقام كل اربعة اعوام لانه يتابعها عدد كبير!...
ففي المرة السابقة احتكرها صاحب قنوات اي ار تي والان قناة الجزيرة القطرية ولا نعلم من هو القادم! وكان من الممكن ان تكون هديتهما لشعوب العالم العربي كما يفعل اثرياء الغرب في التبرع بمبالغ خيالية تفوق تبرع اثرياء العرب حكاما ومحكومين! فتكون مذكورة في كتب السيرة والتاريخ في مجلدات ضخمة مخصصة لتلك المكرمات كما يفعل الحكام!...ولكن ماذا يمكن القول في عقول مغلقة تتبع طبائع جافة وهي ترمي من يحاول فتح التشفير بمختلف الاتهامات التي تستحقها هي!.
برغم ذلك فأن الانشغال ببطولة كرة القدم ينسي كل شيء بما في ذلك التدوين! وهي مثل اجازة الصيف القصيرة ولكن لفترة قصيرة كل اربع سنوات!....

2010/06/10

للاخبار هوامش


للاخبار هوامش:
تصفح المواقع الالكترونية وقراءة الاخبار المتنوعة غالبا ما يبعث على التشاؤم والاستياء بدلا من شيوع الامل في حصول انفراج ما في الازمات والمشاكل الحاصلة في الدول...وبعض الاخبار لا تجذب القراء من قبيل اغلاق ليبيا لمكتب مفوضية اللاجئين التابع للامم المتحدة وهو الذي يقوم بخدمة الاف اللاجئين فيها!...يعني هذا النظام الشاذ المتخلف الذي يقوده معتوه بأسم القذافي وافراد عائلته،خرجت للعلن اعمالهم الشاذة مجددا بعد ان دفعوا عدة مليارات من خزائن شعبهم لغلق فضيحة مشاركتهم في تفجير الطائرات وهي التي جعلتهم يقللون من بروز وجوههم القبيحة في خارج بلادهم بسبب الحصار،اما الان فقد خرجت انيابهم من جديد لكون العالم الخارجي مشغول بأستثمار النفط الليبي للحصول على اعلى الفوائد...وليذهب الشعب الليبي واللاجئين الاجانب وكل الضحايا والمثل العليا للجحيم!! وسوف نرى المزيد من تلك الممارسات المشينة في المستقبل...
الخبر الثاني ارتفاع ايرادات قناة السويس خلال عام بنسبة 15% اي ان عائدات القناة قد تصل الى 5 مليارات دولار قريبا!...وهي عائدات بدون نفقات للتشغيل سوى قليلة لا تشكل اهمية تذكر او لا تسبب تلوثا للبيئة ومستمرة بدون توقف! اي مصدر لا ينضب...لكن لماذا لا يظهر اثر تلك الزيادات في الاقتصاد المصري،اوتتحسن قليلا حياة الاغلبية الفقيرة من خلال رصد معظم المبالغ لهم؟!...
من الاخبار المؤسفة ان اتحاد الادباء العرب وهو اتحاد هزيل يضم في غالبيته ادعياء الادب الى جانب ادباء السلطة في العالم العربي!... رفض عودة اتحاد الادباء العراقي بالرغم من اجراءه انتخابات ديمقراطية في اختيار اعضاء الاتحاد الذي اصبح حرا في اتخاذ قراراته ولا يتبع السلطة او يمارس الرقابة على الادباء وهي امور تتنافى عادة مع طبيعة مهمات الهيئات العربية!..والرفض جاء من قبل اربعة اتحادات عربية هي:اتحاد الادباء في سوريا وهو بوق اعلامي للنظام المخابراتي السوري،واتحاد الادباء في الاردن وفلسطين وهما من بقايا مرتزقة نظام صدام البائد وصفة الارتزاق تتنافى مطلقا مع صفة الادب الحقيقي الملتزم او القيمة الحرة!...اما الاخير وهو المضحك لكونه الاكثر تصلبا والاكثر بعدا عن الادب والفكر! وهو الاتحاد الليبي الذي هو فرع من اجهزة المخابرات الليبية!....تلك الاتحادات التي كانت ومازالت حارسة امينة لانظمتها على مراقبة المبدعين ونتاجاتهم القيمة الخالية من النفاق والتزلف ومنعها من النشر قبل ان تقوم بالمهمة اجهزة الدولة!...

2010/06/08

موسوعة المختار من الاخبار8


موسوعة المختار من الاخبار8:
الصحة بين التناقض والتجارة!
8-ظهرت دراسة بريطانية حديثة تقول: انه مجرد وهم بأن شرب القهوة في الصباح يزيد من الانتباه والتركيز! ومن خلال البحث ظهر انه لا تاثير له بتاتا ولكن المسألة مجرد وهم نفسي ينتاب الكثيرون من خلال انخفاض نسبة الكافيين في الدم!...
ظهور تلك الدراسات يثبت بأن العلم وخاصة في المجال الطبي الان ماهو الا في بداية الطريق، فبين الحين والاخر تظهر دراسات تثبت خطأ الكثير من الحقائق العلمية الثابتة مما يجعل الفرد العادي في حيرة من امره! هل يتبع النصائح ام يتجاهلها؟! خاصة في ظل وجود حالات كثيرة تشير الى حدوث العكس من خلال التجاهل للتعليمات المملة غالبا!.
فقبل فترة وجيزة ظهرت دراسات اخرى تظهر ان خطر التدخين مبالغ فيه كثيرا! وكلنا يعلم بأن مضار التدخين هي حقائق مطلقة لدى العلماء قبل العامة!...اذا هنا هل علينا الانتظار عقود اخرى من الزمن حتى تظهر النتائج النهائية ام نتبع اخر ما توصل اليه العلم حتى لو كان مخالفا للواقع؟!...
هناك حالات عديدة يكون للعامل النفسي تاثيرا بالغا في صحة الفرد وليس اتباع نظام غذائي معين،فقد نرى اناس من ذوي الدخل المحدود يعيشون حياة سعيدة بالرغم من معاناتهم الاقتصادية والعكس صحيح ايضا من ملاحظة حياة بعض المشاهير والاثرياء المليئة تعاسة وتعبا نفسيا!...اذا اتباع التعليمات بحرفية مطلقة لا يؤدي بالضرورة الى تحسن الحالة الصحية بل ان التحسن في اغلب الاحيان يخضع لظروف اخرى يكون للعامل النفسي دورا رئيسيا فيها...ومن خلال العودة الى نتائج الدراسة السابقة لا نستغرب ان تظهر قريبا دراسة اخرى مخالفة لها جملة وتفصيلا!.
كما ان هناك تقريرا جديدا لمنظمة الصحة العالمية يظهر ان 50%من الادوية يتم تناولها بصورة غير ملائمة،كما ان 40%من الاطفال يتنالون مضادات حيوية غير ملائمة! وكأن التقارير والبحوث المتناقضة والمأساوية لا تفارقنا ابدا...انها احصاءات مرعبة حقا وصادرة من منظمة عالمية محايدة تبين لنا ان نصف سوق الادوية العالمية غير واقعية ولا تفيد المستهلك في شيء!...
سوق الدواء العالمي هو مثل سوق اي سلعة اخرى يتنافس المنتجون في الترويج لمنتجاتهم دون ان تكون هنالك حاجة فعلية له،وبالتالي فأن بعض شركات الادوية مثل عصابات المافيا العالمية لا يهمها ابدا صحة البشر مادام الهدف المحدد لها هو الحصول على اعلى حصة من السوق العالمية والربح منها دون الاهتمام بمعايير الصحة العالمية! مع ملاحظة عدم اهتمام الحكومات بالشكل الكافي بالخطر المتمثل بتلك الشركات الشهوانية التي تغش احيانا في المحتوى او الاستخدام مما سبب كوارث عديدة لم يتناولها الاعلام بصورة جدية لحد الان!...لقد ظهر انفلونزا الخنازير ومن قبله الطيور والسارس وغيره في زوبعات اعلامية ومن يدري فقد تظهر لنا امراض وهمية او مبالغ بها في المستقبل...وتلك الامراض حثت المجتمعات على استهلاك الكثير من الادوية وبخاصة المضادات الحيوية دون ان يكون هنالك اثر على من لم يتناول تلك الادوية والمضادات! ومن يدري فقد تكون النتائج عكسية خاصة مع علمنا ان للادوية تاثيرات جانبية قد لا تظهر الا على المدى البعيد!...الجميع يحتاج الى تحقيق شامل ليس فقط في مدى الحاجة للدواء بل ايضا لاساليب الانتاج ونوعيته والمنافسة التجارية الحادة في سوق لا يمكن ان تكون خاضعة لقوانين التجارة المفتوحة!.
لقد اصبحت صحة الانسان والتلاعب بها تجارة رابحة ايضا مثلما اصبحت عقائد الانسان وكرامته لعبة لمن لا يحتاج للتجارة،وتجارة لمن لا يملك المال!..


2010/06/07

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثاني والستون

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الثاني والستون
الثورة الثالثة(1917) والرابعة(1979) في هذا التصنيف هما الثورتين الروسية والايرانية، والاختلاف واسعا بينهما بالرغم من انهما يمثلان حالة التغيير الراديكالي في الحكم،فالاولى اي الروسية هي ثورة الحادية تتبع العقيدة الشيوعية الاشتراكية والتي هي عقيدة غير روسية ولكنها عالمية نشأت في اوروبا الغربية ولكن لم تنجح في تربتها! واستندت على خلاصة الفلسفة الالمانية والاشتراكية الفرنسية والاقتصاد السياسي الانكليزي،ولكن مؤيدوها الروس قاموا بتحوير بعض تفاصيل تلك النظرية لكي تلائم الظروف المختلفة لروسيا فأطلقوا عليها تسمية الماركسية اللينينية نسبة الى زعيمهم لينين (ت1924) وهذا ايضا حدث بالنسبة للثورات الشيوعية الاخرى من قبيل الثورة الصينية التي جائت بالتفسير الماوي للماركسية لكي تلائم ظروف الصين وايضا الثورات في امريكا اللاتينية التي تستند للكفاح المسلح للجماعات الثورية هناك، بينما الثانية هي ثورة دينية خالصة تستند على تراث الفكر الاسلامي الطويل المتعدد الاجتهادات والذي لا يعترف مثل الفكر الماركسي بالقوميات والتصنيفات الفكرية الناتجة منها مما يعني ان مفكري الاتجاهين هما من شعوب مختلفة وليسوا من بلد واحد وان كان الفكر الاسلامي اقدم بكثير من الفكر الماركسي واكثر تجذرا في النفوس.
يعني هذا ان الفارق الايديولوجي كبيرا بين الثورتين،ولكن هنالك عدة مشتركات قد يكون اهمها بالطبع التغيير الراديكالي في كلا البلدين مع خروج نفوذهما الايديولوجي الى خارج الحدود .
تميزت الثورتان بتمحور القيادة في شخص واحد يعاونه مجموعة من المفكرين المتبحرين في العقيدة الفكرية لكلا الاتجاهين،وهما لينين في روسيا والامام الخميني في ايران،والواضح ان تأثيرهما مازال باقيا ليس بفضل زعامة الثورة وان كان له دورا هاما في ذلك،بل للدور الفكري الذي لعبه كلا منهما سواء في بلاده او خارجها، كما انهما عانيا من الاضطهاد في الداخل والنفي الى خارج الحدود وقادا الثورتين بعد اندلاعهما،وتميزت حياتهما بالزهد في ملذات السلطة وشهواتها.
عانت الثورتان من الحصار الخارجي والتدخل الاجنبي والقلاقل الداخلية ولاسباب عديدة،وتسبب ذلك في سقوط عدد كبير من الضحايا في كلا البلدين،وبالرغم من ذلك فأن الصراع مع الخارج لم يضعف الثورتين بل العكس حدث! وهو ان نفوذ الثورتين اخذ بالازدياد والتمدد في بلاد اخرى بعضها بعيد جغرافيا وخاصة بالنسبة للثورة الروسية التي اصبحت عقيدتها تسيطر على نصف سكان الارض تقريبا حينها! مما يعني ان الوسائل العسكرية والحصار الاقتصادي لا ينجح في لجم جماح مثل تلك الثورات التي تستند على قاعدة فكرية قوية ومؤثرة في اتباعها،بل ان الذي يحد النفوذ هو عدم وجود الاستغلال والاضطهاد والتمييز الخ من القضايا التي تقوم لاجلها الثورات في العالم.
الخطأ الاكبر الذي وقعت فيه الثورة الروسية هو وقوعها في مستنقع الطغيان الفردي لشخص واحد تحكم بشعوب الاتحاد السوفييتي وهو ستالين(ت1953) وبالرغم من ان خلفائه تحرروا من الكثير من طبائع حكمه الارهابي الا ان البلاد لم تتخلص نهائيا منه بل بقيت خاضعة له حتى ادت في النهاية الى سقوط الاتحاد السوفييتي المدوي عام 1991.
هذا الطغيان الستاليني المرعب تسبب في سقوط عشرات الملايين من الضحايا في منهج ارهابي فريد لا مثيل له في التاريخ وساهمت الحرب العالمية الثانية في اتساع دائرة الضحايا حتى اصبح انهيار الاتحاد السوفييتي مجرد مسألة وقت بالرغم من الانجازات العلمية والاقتصادية الهائلة التي تحققت بالمقارنة مع الحالة المأساوية في روسيا القيصرية والتي ادت ايضا الى انهيارها،فالحالة المعيشية حتى لو تحسنت فأنها تصبح بلا قيمة او معنى اذا خرجت من نطاق حقوق الانسان وحريته الاساسية،ولذلك نجد ان هنالك شعوب كثيرة قاومت حكامها لاجل انتزاع السلطات من ايديهم بالرغم من وجود تحسن في مستوى المعيشة الذي يبقى صوريا الى حد ما اذا لم ترافقه اجراءات جذرية في التغيير.
ان الصراع على السلطة بعد انتصار الثورة هو موجود حتى في حالة الثورات الراديكالية،ولكن للخروج بأقل الخسائر من تلك الحالة الحتمية يكون اذا لم تقع السلطة بيد فرد واحد متحكم بها مما يؤدي الى بناء سلطة تنحرف عن الثورة بدرجة عالية مهما كانت الجعجعة الاعلامية المصاحبة لها!.
الثورة الايرانية ايضا وقعت في نفس مستنقع الصراع الداخلي وتسبب في وقوع خسائر فادحة نتيجة لتمرد عدة تيارات كانت مساهمة في الثورة وبعضها حصل على دعم خارجي، ولكن بقيت بعيدة نوعا ما من حالة وقوع السلطة في يد فرد واحد دون ان يكون هنالك رادع له او تحديد لصلاحياته كما هو شائع في العالم الثالث.
الفكر السياسي الاسلامي عانى كثيرا من اضطهاد الحاكمين وتعرض على مدار التاريخ الى نكبات عديدة تمثلت في مقتل قادته وفشل ثوراته وتشويه مناهجه الفكرية،وفي العصر الحديث ضعف تاثيره كثيرا بعد خضوع البلاد الاسلامية للاستعمار الغربي،وساهم الصراع مع الانظمة التقليدية واليسارية على ابعاده عن السلطة او حتى التاثير المعنوي جموع الناس،ولكن هزيمة تلك الانظمة وفشلها في التطبيق لمناهجها الفكرية ادى الى انتعاش الفكر السياسي الاسلامي من جديد، وحالة الفشل في التطبيق هي مستنقع كل فكر او ثورة او نظام،لان البشر غالبا ما يؤيدون منهجا حياتيا يكون اداة لبناء حياة حرة وكريمة تكون افضل من الواقع السيء الذي يحياه الناس،وفشل التطبيق وان كان في اغلبه لا يعود الى الفكر نفسه بل الى الطبيعة البشرية المتحكمة فيه،فأن اللوم عادة يقع على الفكر ايضا مهما كانت قاعدته الفكرية ثرية في مناهجها!.
كان انتصار الثورة الايرانية عام 1979 هو بمثابة انتصار للفكر السياسي الاسلامي الذي انتشر بعد ذلك في العالم الاسلامي وفق مختلف المذاهب الفكرية في موجة اطلق عليها اسم(الصحوة الاسلامية) والتي مازالت في تمدد في ظل ضعف واضح لكافة المذاهب الفكرية الاخرى التي فشلت في التطبيق بالرغم من الصلاحيات الواسعة والامكانيات المادية الضخمة التي وضعت تحت تصرفها،الا ان ذلك لا يعني نجاح التطبيق الاسلامي في بعض البلاد كما هو واقع في حالة السودان مثلا لانه في النهاية يقع وفق اجتهادات بشرية تخضع بوعي او بدونه الى الظروف المحلية وتعقيدات التفاصيل التي يضيع المجهود الرئيسي فيها.
ان قوة الثورات في حالة التغيير الراديكالي يكمن في ازالتها للانظمة القائمة من جذورها وتأسيس بناء سياسي واجتماعي جديد يكون مناقضا للحالة السابقة ويكون من الصعب على مناصري الحالة السابقة العودة الى سابق عهدها لان فرص العودة والعمل سوف تصبح ضئيلة هذا بالاضافة الى السمعة السيئة التي يحملونها من تجاربهم السابقة.
ان العديد من الثورات والحركات التي تحمل فكرا جذريا في التغيير لم تنجح لكونها لم تبدأ في اجراءاتها العملية بعد تسلمها السلطة مما ادى الى عودة القوى المناهضة وخاصة بمعونة خارجية كما حدث في اوقات مختلفة مثل عودة شاه ايران في انقلاب عسكري عام 1953 على نظام مصدق بمعونة غربية! او عودة الحكم العسكري للسودان عام 1989 .
هنالك الكثير من الثورات الاصغر حجما بالمقارنة مع الثورات الاربع الكبرى،ويعود صغر التأثير الى عدة عوامل اهمها صغر حجم البلاد كما في حالة كوبا ونيكارغوا او تابعيتها الفكرية لمنهج فكري آخر كما هو في حالة الصين وكوريا وفيتنام،ولكن بالرغم من ذلك فأن الصبغة المحلية والتأثير على الجوار يكون موجودا اذا كانت حالة الجوار تسمح في تقبل افكار تلك الثورات الاقل تأثيرا،ولذلك نرى انه هنالك تأثيرا ظاهرا للثورة الكوبية على بلاد امريكا اللاتينية بصورة خاصة مع العلم ان الوجود الكوبي وصل الى بلاد افريقية مثل اثيوبيا وانغولا ولكن لم يكن بمستوى التأثير في امريكا اللاتينية لان حالة افريقيا كان منحصر بصورة بارزة الى حد ما في الجانب الرسمي دون ان ينفذ الى شعوب تلك البلاد التي تختلف كثيرا عن ظروف كوبا،بينما شعوب امريكا اللاتينية وتقاليدها وظروفها هي قريبة لحالة كوبا مما يعني ان التأثيرات المباشرة تكون ظاهرة للعيان بشكل لا يمكن نكرانه!.
في العالم العربي كانت الثورة الجزائرية بالرغم من انها لغرض الاستقلال هي الاقرب لحالة التغيير الجذري لكونها هدفت الى التغيير الجذري للبلاد من واقعها المتردي،الا انها تميزت بضعف الجانب الفكري لكونها بنيت اساسا لاخراج البلاد من السيطرة الفرنسية بالقوة المسلحة،مما ادى الى تقوقعها في حدودها الدولية ولم تتأثر حتى البلاد المجاورة مثل تونس والمغرب بها! وان كان النموذج النضالي الجزائري مازال محط اعجاب الكثيرين.
وما عدا ذلك لم توجد ثورة راديكالية خاضعة لمنهج فكري جديد مناقض للواقع في العالم العربي في العصر الحديث...نعم توجد محاولات عديدة الا ان النجاح لم يكن حليفها لاسباب عديدة بالرغم من اعتناق بعضها لمذاهب فكرية قوية البناء والتأثير وذات تراث عريق،ومن يدري فقد يحدث هنالك تغييرا جذريا محليا او عالميا من ناحية النفوذ والتجديد والتأثير في احدى دول العالم العربي،لانه لا يمكن التنبوء بما يمكن ان يقوم عليه المستقبل...نعم يكون هنالك استقراء له ناتجة من استنباط حالات الماضي الا ان ذلك يبقى في دائرة التنبؤات التي قد تحدث او لا وما اكثر التنبؤات الفاشلة!.

2010/06/01

حصار الشعوب


حصار الشعوب:
مآسي الشعوب لا تنتهي أبدا!...ومأساة اسطول الحرية الذي تعرض للهجوم الاسرائيلي الوحشي في محاولته احداث ثغرة بسيطة في جدار الحصار على شعب غزة،هو نقطة صغيرة في محيط المآسي البشرية!...ولكن هل هناك نهاية لتلك الآلام والاحزان؟!...الجواب بالتأكيد:كلا!...
ان من اقذر واحط الوسائل السياسية هي حصار الشعوب! وهي وسيلة مفضلة لدى المتخاصمين في نزاعاتهم الهمجية ولا تكلفهم شيئا! وهم يعرفون جيدا ان تلك الوسيلة هي بطيئة التأثير ومهلكة للابرياء ولكنهم مستمرون في الاصرار على استخدامها كلما سنحت الظروف وكأنه لا توجد وسائل اخرى غيرها!...
التاريخ الانساني مليئ  بتلك الصور السوداء التي لا توجد ادنى صعوبة في استعراضها بسبب كثرتها وقلة المعترضين عليها!... لا بل ان الاجيال اللاحقة عليها لا تهتم حتى في اعادة الاعتبار للضحايا والثأر من المذنبين من خلال نشر غسيلهم القذر في صفحات التاريخ المكتوب!...ولكن مادام اننا نعيش في هذا الزمن فما علينا سوى تذكر حصار بعض الشعوب المنكوبة سواء بحكامها او بخصومها الذين لا يحترمون قواعد السلوك السوي في ادارة الصراعات،بل انهم يفتقدون لكل صفات الفروسية واخلاقياتها النبيلة! وخاصة في اعفاء الابرياء من آثار الصراع ومآسيه...
قد يكون حصار الشعوب وسيلة متعارف عليها قديما من وسائل الانتقام لدى المتخاصمين بالرغم من ان المبادئ الدينية والاخلاقية والانسانية ترفضها جملة وتفصيلا!...ولكن الاسئلة الكبيرة التي تطرح نفسها دائما وبعلامة أستغراب كبيرة! هو:لماذا يشترك المحايدون او من ليس لهم علاقة بالصراع في ذلك الحصار؟!!ولماذا لا يراجعون انفسهم في مواقفهم المخزية على الاقل اعلاميا كاذبا؟!.. بل لماذا يكونوا اكثر قسوة من الخصوم انفسهم في تطبيق اجراءات الحصار الظالمة بالرغم من قوة الاواصر بينهم وبين المنكوبين؟!...الا يدل ذلك على خرافة وجود امثال تلك الاواصر بل وهزلية القائلين بها؟!...هل ماتت كل المشاعر الانسانية لدى الشعوب المتفرجة وهي ترى شعوبا اخرى محاصرة لاسباب واهية فأصبحت تساق كالخرفان في مصالخ الذبح الدولية؟!...يعني اسئلة لا حصر لها تطرح نفسها وبقوة دون ان تجد من مجيب لها ومع ذلك نرى انفسنا في اغلب الاحيان ونحن ننافق في تكرار عبارات التضامن والتوافق بين الشعوب!...
من السهولة القول ان معاقبة الخصم تتم في الاجراءات التي تتعلق بالخصم الحاكم نفسه دون ان تصل الى الابرياء...والوسائل عديدة منها منع السلاح وسفر المسؤولين او تحريك الدعاوى القانونية ضدهم،وبالتالي تصبح عملية عزلهم فعالة التأثير،ولكن جعل الحصار يشمل ايضا المواد الغذائية والطبية وحرمان الشعب من كل وسائل عيشه الكريمة...هي بحق ليس فقط همجية بل غباء لكون الشعب المحاصر سوف ينتظر الفرص للانتقام كما حدث للشعب الالماني بعد الحرب العالمية الاولى،والتي استفاد الحلفاء من درسها بعد الثانية التي كان من الممكن تجنبها بقليل من الحكمة والرحمة...
اذا حصرنا حديثنا بحصار غزة ومن قبله حصار العراق...فسوف نرى ان اشد المساهمين في الحصار هي الدول العربية الاخرى نفسها،سواء اكانوا حكاما او شعوبا! بل اصبح الخصوم(اسرائيل والدول الحليفة لها) هم ارحم بكثير من الدول العربية في اجراءات الحصار! ويمكن قراءة التقارير الغربية المستمرة في من يدفع المال لتطبيقه او يحث على استمراريته، ولا يمكن نكران هجرة ملايين اللاجئين الى الغرب نفسه!...
لم يزول جدار برلين الا بعد تحرك الشعب الالماني لازالته عام 1989!... ولكن هل رأينا ملايين شعوبنا التي تنمو بصورة مخيفة تقوم بفتح الحصارين بقوة تحركها الشعبي بل فقط بصراخها؟!...الجواب كلا!...فأين هي جعجعات الاحزاب اليسارية واليمينية ومواعظ رجال الدين التقليديين والثوريين وجيوش الاعلاميين والمثقفين الفارغة في المشاركة الصامتة في اجراءات الحصار نفسه؟!...
لقد وصل الامر الى منع ابسط مقومات الحياة على المحاصرين من جانب (الاشقاء) وبصورة تدعو الى الدهشة من مستوى الانحطاط!...
لا نحتاج الى امثلة!...لان الصامتين هم مساهمين في ديمومة مآسي الحصار نفسه!...ولذلك فهو شيئ طبيعي من ان نرى الشعوب العربية قبل غيرها هي راقصة محترفة في حفلة صاخبة على انغام الضحايا لان حكامها بالدف ناقرة!!!...